يُعد طبق الهريس من أعمق الأطباق وأكثرها تجذراً في الذاكرة والتراث الكويتي والخليجي، وهو لا يمثل مجرد وجبة غذائية، بل يُعتبر شعاراً للمودة والتراحم الاجتماعي المتأصل في المنطقة، يرجع تاريخ هذه الوجبة إلى عصور قديمة، حيث كانت الحاجة إلى وجبة مشبعة وقوية تتطلب خلط الحبوب الأساسية مع اللحم للحصول على غذاء متكامل يمكنه إمداد الجسم بالطاقة اللازمة لتحمل مشقة الحياة اليومية والعمل.
يتشابه الهريس في تكوينه الأساسي مع أطباق شعبية قديمة منتشرة في المشرق العربي وشبه الجزيرة، ما يؤكد على امتداد جذوره التراثية، تكمن خصوصية الهريس الكويتي في الطريقة المتقنة لإعداده والطقوس المرافقة له، حيث يتطلب صبراً ووقتاً طويلاً على النار الهادئة، ما يعكس قيمة التمهل والعمل الدؤوب في الثقافة المحلية.
يرتبط الهريس بعلاقة وثيقة بالمناسبات الدينية، وخاصة شهر رمضان المبارك، إذ يُعتبر وجبة مفضلة على مائدة الإفطار والسحور، لما يمنحه من دفء وطاقة مستمرة، يُقدم أيضاً كطبق رئيسي في الاحتفالات الكبرى، مثل حفلات الأعراس والولائم، دلالة على الحفاوة والترحيب بالضيوف.
يُشكل الهريس رمزاً قوياً للتكافل والمشاركة في المجتمع الكويتي، حيث كانت عملية التحضير تتم في “الحوش” (الساحة) باستخدام قدور نحاسية كبيرة، يُشارك فيها أفراد العائلة أو الجيران معاً لـ “ضرب” المزيج وتفتيته، ما يعزز من مفهوم العمل الجماعي، يُصبح الهريس الجاهز مادة للـ “توزيع” على بيوت الأقارب والمحتاجين، كجزء من سنن الوفاء بالنذور والتعبير عن الكرم، وهو ما يزيد من دلالته الإنسانية والاجتماعية.
يُبرز الهريس جانباً من فنون المطبخ الكويتي الذي يعتمد على البساطة في المكونات، ولكن الغنى في النكهة والجهد المبذول، يُعتبر الجمع بين حلاوة السكر والقرفة مع ملوحة اللحم والقمح، والـ “دسامة” المُضافة من السمن البلدي، هو سر المذاق الفريد الذي يميّز الهريس الكويتي عن أي طبق آخر، يظل هذا الطبق التراثي شهادة حية على تاريخ الكويت الممتد، وعلى قيم البذل والعطاء التي يتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل.
المصدر: ويكيبيديا
