مشروع ترميم قلعة الدقل في السعودية يعيدها إلى الواجهة التراثية

أعادت هيئة التراث السعودية الحياة إلى قلعة “الدقل” التاريخية الواقعة في شمال غرب مدينة أبها، بعدما استكملت أعمال الترميم والتدعيم الإنقاذي لها، ضمن جهودها المستمرة لحماية المعالم التراثية وتفعيل حضورها الثقافي في المجتمع.
ويأتي هذا المشروع في سياق استراتيجية أوسع تسعى من خلالها وزارة الثقافة إلى الحفاظ على المكونات المعمارية والتاريخية للمملكة، وتعزيز دورها في القطاع السياحي والثقافي، خصوصًا في منطقة عسير التي تشهد اهتمامًا متزايدًا بإبراز ثرائها الحضاري وتنوعها الجغرافي.
شهدت القلعة الواقعة على ارتفاع 2342 مترًا فوق مستوى سطح البحر أعمال ترميم دقيقة، استهدفت إعادة بناء الأجزاء المتهدمة من جدرانها باستخدام نفس الأحجار المحلية التي بنيت بها قبل أكثر من قرن، مع الالتزام الكامل بالمواصفات الأصلية للعمارة التقليدية، كما شمل المشروع تنظيف المسارات الداخلية وإعادة تأهيلها بما يتناسب مع استقبال الزوار والباحثين في مجال التراث.
ويُقدر تاريخ بناء القلعة بعام 1334 هجريًا، لتكون بذلك شاهدًا مهمًا على الأحداث التاريخية التي مرت بها المنطقة، ومركزًا استراتيجيًا لمراقبة الطرق الجبلية القديمة.
تتميّز القلعة بتصميمها المعماري المتوافق مع تضاريس الموقع الصخرية، حيث بُنيت على هيئة مستطيل بطول 43.6 مترًا وعرض 16 مترًا، بواجهة شمالية شبه دائرية، وقد استُخدمت الانحدارات الطبيعية والصخور المحيطة كجزء من تحصيناتها الدفاعية.
وتتوزع داخل القلعة ثلاث وحدات رئيسية تشمل مقر القيادة، وسكن الجنود، ووحدة الخدمات، ويمر وسط المبنى ممر مركزي طويل يُعرف بـ”الدهليز”، يقسم المبنى إلى جناحين شرقي وغربي.
ويضم المبنى كذلك فرنًا حجريًا ضخمًا لإعداد الخبز، إلى جانب مدفن محكم لتخزين الحبوب، وأماكن مخصصة لطهي الأطباق المحلية، مثل طبق “الحنيذ” الشهير في عسير، مما يبرز البعد الثقافي والمعيشي للقلعة.
اعتمد البناؤون المحليون في تشييد القلعة على مواد البيئة المحيطة، مثل الجرانيت المتين وجذوع العرعر التي استُخدمت في التسقيف، إلى جانب الطين والقصب والجص المستورد من مدن ساحلية، وقد جرى استخدام تقنية تقليدية في التسقيف تضمن العزل المائي عبر طبقات من الأعواد والطين المخلوط بالقش، مما يعكس إبداع الإنسان في التكيّف مع طبيعة المكان وموارده.
وبحسب الباحثين، فإن اسم القلعة “الدقل” يعود إلى الجذر اللغوي الذي يعني الارتفاع والشموخ، كما ورد في المعاجم العربية، وهو ما يعبّر عن مكانة القلعة ودورها الاستراتيجي.
كما تشير الدراسات إلى أهمية الموقع في توثيق جوانب من العمارة العسكرية في جنوب المملكة، وتُعد القلعة مثالًا حيًا على التصميم الدفاعي الذي يجمع بين الجمال والوظيفة، مما يمنحها قيمة استثنائية ضمن قائمة التراث المحلي.
ويُنتظر أن تُفتتح القلعة رسميًا أمام الجمهور خلال المرحلة القادمة، في خطوة تهدف إلى تفعيلها كمعلم ثقافي وسياحي، ودعم الاقتصاد المحلي من خلال إدماجها في المسارات السياحية لمدينة أبها، ما يعزز من مكانة المنطقة كوجهة ثقافية غنية بالمعالم التاريخية والمعمارية، في انسجام تام مع مستهدفات رؤية السعودية 2030.
المصدر: أخبار 24