الأثنين 1447/01/12هـ (07-07-2025م)
التراث المادي (الآثار)قطاعات التراث

قلعة “هدية” تروي تاريخ قوافل الحجاج والتجار نحو مكة

تربض قلعة “هدية” شامخة شمال المدينة المنورة، حاملة بين جدرانها صدى قرون من التاريخ، وشاهدة على عبور آلاف الحجاج والتجار من بلاد الشام إلى مكة المكرمة، إذ شكّلت هذه القلعة إحدى أهم المحطات الاستراتيجية الواقعة بين وادي الطبق ووادي خيبر، حيث لعبت دورًا محوريًا في تأمين مسارات الحج القديمة وتقديم الخدمات الحيوية للعابرين نحو الحرمين الشريفين.

جاء اختيار موقع القلعة بعناية دقيقة، إذ بُنيت بجوار بركة طبيعية لتجميع مياه الأمطار، ما جعلها مصدرًا أساسًا لسقيا الحجاج والقوافل، وعاملًا رئيسيًا في استقرار الطريق التجاري والديني الممتد من الشمال إلى جنوب الجزيرة العربية.

وبفضل هذا الموقع، أصبحت “هدية” نقطة عبور حيوية، لا سيما خلال العصر الإسلامي المتأخر، حيث كانت تؤدي وظيفة الحماية والدعم اللوجستي للقوافل، وتُعزز من استقرار الرحلات الطويلة عبر الصحراء.

وتضم القلعة أربعة أبراج دفاعية ضخمة، لا يزال ثلاثة منها قائمة إلى اليوم، بينما تعرض البرج الرابع لأضرار بفعل تقلبات الزمن والظروف الطبيعية، لكن البنية الأساسية ما تزال تحتفظ بجزء كبير من طابعها الدفاعي والمعماري الأصيل.

وتُعد القلعة من بين المعالم التي وثقها كبار الرحالة في التاريخ الإسلامي، حيث أشار ابن بطوطة إليها في رحلته عام 726هـ، مشيرًا إلى موقعها القريب من المدينة المنورة، ومؤكدًا أن الحجاج كانوا يستريحون فيها قبل أن يُكملوا طريقهم إلى مكة، واصفًا الماء فيها بأنه يُستخرج بالحفر في الوادي، مما يضفي عليها طابعًا طبيعيًا في التزود بالمياه.

وأوضح الدكتور فؤاد المغامسي، الباحث في التاريخ الإسلامي، أن قلعة “هدية” تتمتع بموقع استراتيجي يبعد نحو 169 كيلومترًا عن المدينة المنورة باتجاه الشمال، وقد كانت إحدى المحطات الرئيسة التي تمر بها القوافل من العلا إلى المدينة، وأضاف أن أهميتها تعززت في مطلع القرن العشرين بعد إنشاء الخط الحديدي الحجازي، حيث تم اعتمادها كموقع رسمي لإحدى المحطات على هذا المسار الحيوي الذي يربط بين دمشق والمدينة المنورة، مما منحها بعدًا إضافيًا في التاريخ الحديث.

وتُعد قلعة هدية اليوم شاهدًا معماريًا على تفاعل الإنسان مع الطبيعة، وكيف استطاع أن يبني منشآت تتكامل مع البيئة لتخدم احتياجاته الروحية والتجارية.

وما تزال القلعة، رغم الزمن، تُلهم الزوار والمؤرخين بما تحمله من قصص وذكريات عن العابرين، وبما توفره من دلائل مادية على عراقة طرق الحج والتجارة التي عبرت الجزيرة العربية.

المصدر: أخبار 24

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى