السعودية.. فن السدو بالشمال يعكس روح الهوية الثقافية الوطنية

تجسد حياكة السدو في منطقة الحدود الشمالية من المملكة العربية السعودية أحد أقدم الفنون التقليدية التي تعبّر بصدق عن روح الهوية الوطنية، وتُعَدّ جزءًا لا يتجزأ من التراث الثقافي الذي تميزت به المجتمعات البدوية في المناطق الصحراوية، حيث استلهمت تفاصيله من البيئة المحلية بخاماتها وألوانها ومكوناتها.
ويأتي هذا الفن ليمثل صورة حية للتاريخ، الذي ما زال يتنفس بين أنامل الحرفيين، مستمدًا حيويته من عراقة الماضي وخصوصية المكان.
ارتكز فن السدو منذ القدم على الاستفادة من المواد المتوفرة في البيئة الصحراوية المحيطة، مثل صوف الأغنام، وشعر الماعز، ووبر الإبل، التي تُعدّ الركيزة الأساسية في عملية الحياكة، والتي تبدأ بمراحل دقيقة تشمل جزّ الشعر أو الصوف، وتنظيفه، ثم غزله إلى خيوط قابلة للاستخدام، تسبقها مرحلة الصباغة، التي تعتمد فيها النساء الحرفيات على مكونات طبيعية بالكامل، أبرزها الزعفران، والحناء، وجذور الأشجار التي تمنح السدو ألوانه التراثية الدافئة.
ويتميّز هذا الفن بطابعه النسائي البحت، حيث لعبت النساء في المجتمعات البدوية دورًا محوريًا في الحفاظ عليه وتطويره، إذ لم يكن السدو مجرد حرفة تقليدية بل أسلوب حياة، عكست من خلاله النساء إبداعهن ومهارتهن، فزينّ به خيام البدو، ونسجن منه المفارش والوسائد وأغطية الإبل، ليصبح السدو في جوهره لغة زخرفية تنطق بأصالة المكان ودفء الصحراء.
وتأكيدًا على أهمية هذا الفن في الذاكرة الثقافية للمجتمع السعودي، أدرجت المملكة فن السدو ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لدى منظمة اليونسكو، في خطوة تعكس التقدير الدولي لهذا الموروث المحلي، الذي يتخطى كونه فنًا بصريًا ليحمل رسائل اجتماعية وتاريخية ترتبط بالحياة اليومية وأشكال التعايش البسيطة في البيئات البدوية.
وفي إطار اهتمام الدولة المتزايد بالحرف اليدوية، أعلن مجلس الوزراء عن تخصيص عام 2025 ليكون “عام الحرف اليدوية”، في مبادرة وطنية شاملة تستهدف الحفاظ على الحرف التقليدية وتوريثها للأجيال الجديدة، وتوفير فرص التدريب والدعم للحرفيين والحرفيات، بما يساهم في تحويل هذه المهارات اليدوية إلى مسارات اقتصادية واعدة، تتكامل مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، التي تضع الثقافة في قلب التنمية المستدامة، وتسعى إلى تعزيز حضورها في المشهدين المحلي والعالمي.
وتواصل الجهود الرسمية في مختلف مناطق المملكة، خاصة في الشمال، دعم هذا النوع من الفنون الأصيلة عبر تنظيم مهرجانات متخصصة، وأسواق حرفية، ومعارض تراثية، تسهم في إبراز قيمة السدو وأثره الثقافي، وتعريف الزوّار والزائرين من داخل المملكة وخارجها على تفاصيله الفنية، وتشجيع الشباب على اكتساب هذه المهارات القديمة، بهدف ضمان استدامة هذا التراث عبر الأجيال.
المصدر: أخبار 24