يُبرز وادي الحيتان مكانته كموقع تراث عالمي عبر احتضانه لحفريات نادرة توثق تحول الحيتان من كائنات برية إلى بحرية، حيث يزخر هذا الوادي المصري العريق، الواقع ضمن نطاق محمية وادي الريان بمحافظة الفيوم على بُعد نحو 150 كيلومترًا جنوب غرب القاهرة، بسجل جيولوجي فريد يعكس حقبة من ملايين السنين عندما كانت المنطقة جزءًا من قاع بحر استوائي ضحل.
يمثل هذا الوادي صفحة نادرة من تاريخ الأرض، إذ يحتوي على بقايا وهياكل لحيتان بدائية لم تعد موجودة في وقتنا المعاصر، ما يمنح العلماء والزائرين نافذة تطل على أزمنة اندثرت وتغيرت فيها مظاهر الحياة وتوزيع الكائنات.
يعود اكتشاف أولى الحفريات في وادي الحيتان إلى عام 1903 على يد الباحث البريطاني بيد تل، ومنذ ذلك الحين توالت البعثات العلمية، سواء من فرق أجنبية أو مصرية، لتوثيق هذا الإرث الطبيعي الذي يتضمن هياكل كاملة لحيتان كانت لا تزال تحتفظ بأطراف خلفية صغيرة، وهي سمة تعكس مرحلة انتقالية نادرة في سجل تطورها البيولوجي.
يُعد هيكل الحوت “الباسيلوسورس إيزيس” من أبرز ما تم العثور عليه، وهو كائن ضخم يوضح بجلاء الصفات التشريحية للحيتان الأولى التي بدأت تفقد ارتباطها بالحياة البرية، كما يضم الموقع حفريات أخرى لأسماك وقروش وكائنات بحرية تعزز الفهم العلمي لعصر الإيوسين.
يفتح وادي الحيتان أبوابه للسياحة البيئية والتعليمية من خلال متحف مفتوح يقدم تجربة تفاعلية للزائرين، حيث يمكنهم مشاهدة هياكل الحيتان المتحجرة التي تُعرض في بيئتها الطبيعية، بالإضافة إلى ألواح تعريفية تسرد تاريخ المنطقة وتشرح مراحل تطور الحياة فيها.
وقد ساهم إدراج الموقع على قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 2005 في تعزيز الجهود لحماية هذه الكنوز البيولوجية من أي تهديدات بيئية أو بشرية، كما أتاح فرصة أكبر لرفع الوعي العالمي بقيمة وادي الحيتان العلمية والبيئية.
يمتاز الوادي أيضًا بتضاريسه الصحراوية الخلابة وتكويناته الصخرية المتنوعة، ما يجعله من أكثر المواقع جذبًا لمحبي الطبيعة والمغامرة، إلى جانب كونه محطة بارزة في دراسات الحفريات والجيولوجيا على مستوى العالم.
ويُعَد وادي الحيتان ليس فقط متحفًا طبيعيًا مفتوحًا، بل شهادة حية على تطور الحياة عبر العصور، وموردًا بحثيًا وسياحيًا ثمينًا يعكس التوازن بين الحفاظ على التراث الطبيعي والاستفادة منه علميًا وسياحيًا.
المصدر: ويكيبيديا