شهدت العاصمة السورية دمشق إدراج فن نفخ الزجاج التقليدي ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي الذي يحتاج إلى حماية عاجلة، بحسب ما أعلنته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “اليونسكو” في عام 2023، في خطوة تعكس الأهمية التاريخية والثقافية لهذه الحرفة اليدوية العريقة، التي ما زالت حية في أزقة المدينة القديمة رغم التحديات.
وجاء هذا الاعتراف الدولي بعد جهود متعددة للحفاظ على هذا الفن الذي يشكّل جزءًا مهمًا من هوية دمشق الحرفية والاجتماعية، ويعكس براعة الصناعات التقليدية التي اشتهرت بها المدينة منذ قرون.
تقوم حرفة نفخ الزجاج التقليدي على إعادة استخدام نفايات الزجاج، إذ يعتمد الحرفي على تقنيات دقيقة تبدأ بوضع قطع الزجاج داخل أفران تقليدية مبنية يدويًا من الطوب، ثم إذابتها تحت درجات حرارة عالية.
وبعد ذلك، يقوم الحرفي بلف الزجاج المنصهر على قضيب معدني مجوف، وينفخ فيه من فمه ليأخذ شكله الأولي، ثم يبدأ في تشكيله بدقة باستخدام الملقاط والأدوات المعدنية إلى أن يتحول إلى قطعة فنية، سواء كانت مزهرية، أو كوبًا، أو مصباحًا، أو عنصرًا زخرفيًا يحمل طابعًا محليًا.
تتميّز هذه الصناعة الدمشقية باستخدام ألوان قوية ومتناسقة، كالأبيض، والأزرق، والأخضر، والقرمزي، بالإضافة إلى استخدام الزخارف الذهبية المطلية، والتي تُضفي على القطع الزجاجية طابعًا بصريًا فريدًا لا يمكن أن يُخطئه الزائر أو المقتني.
ويُضفي الفنانون روحهم في العمل عبر تزيين القطع برموز ثقافية راسخة مثل “يد فاطمة”، والتي تعبّر عن المعتقدات الشعبية والهوية السورية في آن معًا.
ورغم أن هذه المهنة كانت في الماضي تنتقل في نطاق العائلات، حيث يورث الآباء أسرارها ومهاراتها لأبنائهم، إلا أن آلية انتقالها اليوم تغيّرت، فأصبح التدريب يتم في الورشات التعليمية ومن خلال الممارسة اليومية التي يكتسب فيها المتعلمون الحرفة عبر التجربة العملية، مما ساهم في بقاء هذا الفن حيًا رغم تراجع الإقبال وتضاؤل عدد الحرفيين المهرة فيه.
تعد هذه الحرفة مصدر رزق أساسي للعديد من العائلات السورية، كما تسهم في تعزيز الإحساس بالانتماء والاستمرارية، لكونها متجذّرة في الفضاء الاجتماعي والروحي لدمشق القديمة، إلا أنها تواجه اليوم خطر التلاشي بفعل تراجع الدعم، وارتفاع تكاليف الإنتاج، وتناقص الاهتمام من الأجيال الشابة، إلى جانب الأوضاع الاقتصادية المعقدة التي تمر بها البلاد، ما يهدد بانقراض هذا الفن الأصيل في حال لم تُتخذ تدابير عاجلة لحمايته.
إدراج اليونسكو لهذا الفن ضمن قائمة التراث المحتاج إلى حماية عاجلة يشكل نداءً دوليًا لحماية هذا الموروث، ويمنح فرصة لإعادة إحياء الحرفة عبر برامج الدعم الثقافي، والتعليم الحرفي، وتسويق المنتجات التقليدية في الأسواق المحلية والعالمية.
وتبقى دمشق، رغم التحديات، واحدة من أبرز العواصم العربية التي حافظت على تراثها الحرفي، ويُعد فن نفخ الزجاج أحد أبرز شواهد هذا الإرث الذي يأمل السوريون في نقله بأمان إلى الأجيال القادمة.
المصدر: اليونسكو