صنّفت منظمة اليونسكو موقع كركوان الأثري ضمن قائمة التراث العالمي منذ عام 1985 ، بعد أن أثبتت الدراسات الأثرية أن المدينة ومقبرتها تمثلان نموذجًا فريدًا لمدينة فينيقية بونية لم تتعرض لإعادة البناء الروماني ، ما سمح بالحفاظ على معالمها الأصلية دون تشويه أو تعديل.
تميّزت كركوان بتخطيط عمراني مسبق يظهر في انتظام الشوارع الرئيسية وتعامدها مع الأزقة والساحات العامة ، مما يشير إلى وجود هندسة متقنة في تنظيم المدينة وليس تطورًا عشوائيًا كما في بعض المواقع المماثلة ، وهو ما يعزز قيمتها التاريخية والعمرانية.
احتوت المدينة على بقايا معمارية واضحة مثل الأسوار والمنازل والحوانيت والحمامات ، إضافة إلى معبد واسع يعكس ملامح العمارة السامية في شمال إفريقيا ، مما يدل على التأثيرات الدينية والثقافية التي شكلت هوية المدينة في تلك المرحلة.
ضمّت كركوان أيضًا مقبرة بونية تعود إلى القرن الخامس قبل الميلاد وتتميز بطقوس دفن خاصة تعكس اعتقاد السكان في الحياة الأخرى ، حيث عُثر على قبور مزودة بمرفقات جنائزية مما يشير إلى وجود تصور ديني للحياة بعد الموت لدى سكان المدينة.
قدّمت المدينة فرصة نادرة لفهم أنماط الحياة اليومية في الحضارة البونية ، حيث لم تتعرض لتعديلات حضارية لاحقة من قبل الإمبراطورية الرومانية مثل غيرها من المدن القديمة في شمال إفريقيا ، ما يجعلها بمثابة نموذج محفوظ لعصر تاريخي محدد.
أظهرت البحوث أن كركوان لم تكن مجرد مدينة سكنية بل حملت أيضًا بعدًا ثقافيًا وروحيًا من خلال طقوسها وممارساتها ، وهو ما يتجلى في العمارة الدينية والجنائزية التي حفظتها طبقات الأرض لقرون طويلة قبل اكتشافها.
استقطب الموقع آلاف الزوار سنويًا من داخل تونس وخارجها ، حيث تحوّلت كركوان إلى مقصد للمهتمين بالتاريخ الفينيقي والبوني ، ووفّرت معطيات ميدانية غنية للباحثين في الآثار والدراسات المتوسطية القديمة.
مثّلت كركوان أحد الشواهد المادية النادرة على وجود حضارة بونية متكاملة ظلت بمنأى عن التعديلات اللاحقة ، ما جعل منها موقعًا جديرًا بالحماية والبحث العلمي ومثالًا بارزًا على التراث الثقافي الذي يتجاوز الحدود الوطنية.
المصدر: اليونسكو
