يحتضن الساحل الليبي في منطقة إقليم طرابلس موقع صبراتة الأثري الذي يعد من أبرز المعالم الحضارية المتبقية من العصور الرومانية والبيزنطية في شمال إفريقيا، حيث يضم آثارًا معمارية شاهدة على مراحل تطور المدينة، أبرزها المسرح الروماني الكبير الذي لا يزال يحتفظ بهيكله شبه الكامل رغم مرور قرون من الزمن وتعرضه لعوامل التآكل والإهمال.
ويمثل هذا المسرح، الواقع ضمن المدينة التاريخية، دليلاً ملموسًا على مدى تطور فنون البناء والنحت والتخطيط العمراني في الحقبة الرومانية.
انطلقت أولى عمليات التنقيب في موقع صبراتة الأثري في العام 1923 واستمرت حتى عام 1936، وأسفرت عن الكشف عن شبكة متكاملة من البنايات العامة والمعابد والميادين والساحات التجارية التي تؤكد أن المدينة كانت مركزًا اقتصاديًا وثقافيًا مهمًا على البحر المتوسط.
وظهرت صبراتة منذ البداية كواحدة من المدن الثلاث الرئيسية في إقليم طرابلس إلى جانب أويا ولبدة الكبرى، وبرزت كمرفأ تجاري يربط القوافل القادمة من داخل إفريقيا بالطرق البحرية المؤدية إلى أوروبا.
سجلت منظمة اليونسكو الموقع عام 1982 في قائمة مواقع التراث العالمي نظراً لما يحويه من قيمة تاريخية ومعمارية فريدة، إلا أن الأوضاع الأمنية والسياسية التي شهدتها ليبيا منذ عام 2011 تسببت في تدهور حالة الموقع، ما دفع المنظمة إلى إدراجه عام 2016 ضمن قائمة مواقع التراث العالمي المعرضة للخطر، وهو تصنيف يعني وجود تهديدات فعلية تطال استمرارية الحفاظ عليه وحمايته.
وقد تراوحت هذه التهديدات بين أعمال النهب والتخريب والتوسع العمراني العشوائي بالإضافة إلى تآكل الأحجار بفعل عوامل المناخ وعدم توفر صيانة منتظمة.
تتميز صبراتة بموقعها الجغرافي المطل على البحر، حيث كانت خلال العصور القديمة بوابة تجارية مفتوحة نحو الجنوب الليبي وبلدان الساحل الإفريقي، ما أتاح لها نمواً سكانياً وتجارياً متسارعاً، وساهمت شبكة الطرق الداخلية والبحرية في ربطها بالمراكز الكبرى في الإمبراطورية الرومانية، ما عزز من مكانتها السياسية والدينية والاقتصادية.
احتوى الموقع المكتشف على عناصر معمارية بارزة مثل الكابيتوليوم، والمنتدى، ومعبد سيرابيس، وعدد من الحمامات العامة، التي تمثل نماذج متقدمة لتخطيط المدن في تلك الفترة، وتعكس أيضاً تفاعلًا ثقافيًا بين الحضارات المحلية والرومانية.
ويستمر المسرح الروماني في صبراتة حتى اليوم كأكثر المعالم شهرة في الموقع، إذ تبلغ طاقته الاستيعابية أكثر من 5000 مشاهد، وقد بُني ليكون مسرحًا مفتوحًا ذي تصميم نصف دائري متعدد الطوابق، استخدم لاحقًا لإحياء العروض الفنية والاحتفالات العامة.
المصدر: ويكيبيديا