الخميس 1447/04/03هـ (25-09-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » الأردن » مرئي » المعالم التاريخية » مناجم النحاس في وادي فينان تكشف تاريخ التعدين بالأردن

مناجم النحاس في وادي فينان تكشف تاريخ التعدين بالأردن

تعد مناجم النحاس في وادي فينان جنوبي الأردن من أبرز الشواهد الأثرية التي توثق العلاقة العميقة بين الإنسان والموارد الطبيعية، حيث يقع الوادي في المنطقة الفاصلة بين محافظتي الطفيلة والعقبة إلى الجنوب من البحر الميت، وقد شكلت تضاريسه الجبلية ومكوناته الصخرية الغنية بالنحاس مركزاً للنشاط المعدني منذ آلاف السنين، مما جعله أحد أهم مواقع التعدين في المشرق القديم.

بدأ استغلال خامات النحاس في وادي فينان منذ العصر الحجري النحاسي، حيث عُثر على دلائل أثرية تؤكد عمليات صهر بدائية تعود إلى أكثر من ستة آلاف عام، واستمر العمل بالمناجم عبر فترات لاحقة شملت العصر البرونزي والعصر الحديدي والفترات الكلاسيكية، وصولاً إلى العصر المملوكي، ما يعكس استمرارية استخدام الموقع كمصدر أساسي للمعادن التي أسهمت في بناء الحضارات وإمدادها بالأدوات والوسائل التقنية.

تشير الأبحاث الأثرية الحديثة إلى أن المنطقة احتوت على شبكة معقدة من ورش التعدين وأفران الصهر وأنظمة لنقل الخام ومعالجته، وهو ما يعكس درجة متقدمة من التنظيم والمعرفة المعدنية في تلك العصور، كما تكشف النقوش واللقى الفخارية عن تداخل النشاط الصناعي مع النشاط الاجتماعي، إذ استقر في الوادي مجتمعات عاشت على التعدين والزراعة وتبادلت المنتجات مع محيطها الجغرافي.

فينان: مناجم النحاس.. ومنفى المُعترفين | صحيفة الرأي

يحمل وادي فينان أيضاً بعداً بيئياً وثقافياً، إذ يقع ضمن نطاق محمية ضانا الطبيعية المدرجة على القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو، مما يمنحه مكانة مزدوجة كتراث طبيعي وثقافي في آن واحد، حيث يجمع بين التنوع البيئي الغني بالغطاء النباتي والحياة البرية وبين الإرث الإنساني المتمثل في آثار التعدين القديمة، ويشكل بذلك نموذجاً على قدرة الإنسان على استغلال الطبيعة والتكيف مع بيئته.

يستقطب الموقع اليوم اهتمام الباحثين والبعثات الأثرية من مختلف الدول، حيث تجرى دراسات متواصلة لفهم مراحل تطور صناعة التعدين وأساليبها عبر العصور، كما يعد وجهة للزوار والسياح الذين يقصدونه ضمن مسارات السياحة البيئية والثقافية في الأردن، مما يعزز دوره كجسر يربط الماضي بالحاضر ويوفر فرصاً للتنمية المستدامة عبر توظيف التراث.

تؤكد مناجم النحاس في وادي فينان أن النشاط المعدني لم يكن مجرد عملية استخراج خام، بل كان عنصراً مؤثراً في تشكيل المجتمعات القديمة وبناء علاقاتها الاقتصادية والثقافية، كما يمثل الموقع دليلاً على العمق التاريخي للأردن كأرض احتضنت أنشطة حضارية متنوعة، وبقي شاهداً على قدرة الإنسان على استثمار موارده عبر آلاف السنين.

المصدر: صحيفة الرأي

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار