أدرجت منظمة اليونسكو ملحمة سامبا غيلاديو ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، اعترافًا بقيمتها الثقافية وأهميتها في الحفاظ على التماسك الاجتماعي في موريتانيا، حيث تمثل هذه الملحمة واحدة من أبرز مكونات الذاكرة الشعبية التي توارثتها الأجيال، وتشكّل مصدرًا للفخر الوطني ومرجعًا لرواية التاريخ وتفسير الواقع الاجتماعي والسياسي في المجتمع الموريتاني.
تجسّد ملحمة سامبا غيلاديو تجربة جماعية غنية تستند إلى سرد شفوي عميق، وتتناول في مضمونها قضايا اجتماعية وتاريخية متنوعة ترتبط بتكوين المجتمع الموريتاني وتفاعلاته عبر العصور، حيث تعبّر عن مشاعر الانتماء وتُبرز القيم التي تحكم العلاقات بين الأفراد والمجموعات مثل التضامن والشجاعة والعدالة، كما تسرد تفاصيل أحداث مفصلية شكّلت مسار التاريخ المحلي وأسهمت في ترسيخ الهوية الثقافية لدى مختلف مكونات الشعب الموريتاني.
يمثل إدراج هذه الملحمة في قائمة التراث الثقافي العالمي خطوة مهمة نحو توثيق الروايات الشفوية التي شكلت في السابق وسيلة فعالة لنقل المعرفة والقيم والمعايير الاجتماعية، حيث ترتكز هذه الرواية إلى مزيج من الشعر والغناء والحوار، وتُقدَّم عادة في المناسبات العامة والمجالس التقليدية، وتُتناقل عبر الرواة والباحثين الشعبيين الذين يحفظون نصوصها ويؤدونها بأسلوب فني يعزز حضورها وتأثيرها في وجدان الجمهور.
وتمثل ملحمة سامبا غيلاديو عنصرًا جامعًا بين مختلف الشرائح الاجتماعية، إذ تتجاوز البعد الفني لتصبح أداة لحفظ الذاكرة وتفسير التحولات التي شهدها المجتمع الموريتاني في مراحل مختلفة، كما تسلط الضوء على مفاهيم الوحدة والتعددية والتنوع الثقافي، وتُظهر قدرة المجتمعات التقليدية على صياغة رواياتها الخاصة بعيدًا عن النماذج الرسمية، مما يعزز حضورها في الحقل الثقافي الإقليمي والدولي.
ويهدف تسجيل هذه الملحمة في قوائم اليونسكو إلى تحفيز الجهود الوطنية لحمايتها، وتشجيع المشاريع التعليمية والتوثيقية التي تسهم في نقلها إلى الأجيال القادمة، بما في ذلك دعم الرواية الشفوية والمسرح الشعبي وتدريب الباحثين على جمع وتوثيق المواد الثقافية المهددة بالاندثار، ويعزز هذا الاعتراف الدولي مكانة التراث الموريتاني في العالم، ويفتح الباب أمام إدراج عناصر أخرى من الثقافة المحلية في سجلات المنظمات الدولية المعنية بالثقافة.
المصدر: اليونسكو