يشكل مقلع ودان الفرس واحدًا من أهم المواقع الأثرية التي تعكس براعة المصريين القدماء في استغلال الموارد الطبيعية، حيث يقع في المنطقة الصحراوية شمال الفيوم، ويرجع استخدامه إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، إذ مثّل مصدرًا رئيسيًا لاستخراج الأحجار المستخدمة في البناء والعمارة الجنائزية، الأمر الذي جعله شاهدًا على ممارسات حضارية راسخة امتدت لقرون طويلة.
ويعد الموقع جزءًا من منطقة جبل القطراني ومحمية بحيرة قارون المدرجة على القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو، وهو ما يؤكد أهميته ضمن التراث الثقافي والبيئي في آن واحد، إذ يجمع بين القيمة التاريخية المرتبطة بالممارسات القديمة والقيمة الطبيعية التي تعكسها المنطقة المحيطة، مما يعزز من فرص ترشيحه مستقبلًا ليصبح موقعًا معتمدًا على قائمة التراث العالمي.
ويكشف المقلع عن أساليب متقدمة استخدمها المصريون القدماء في عمليات التعدين والاستخراج، حيث أظهرت الدراسات الأثرية وجود أدوات حجرية وبقايا أثرية تدل على عمليات قطع ونقل الأحجار، وقد جرى توظيف هذه الأحجار في تشييد معابد ومقابر ملكية، إلى جانب استخدامها في صناعة التماثيل الضخمة والأدوات ذات الطابع الجنائزي، وهو ما يعكس الدور الحيوي الذي لعبه المقلع في إثراء العمارة المصرية القديمة.
كما يمثل الموقع دليلًا حيًا على المعرفة الهندسية والتنظيمية لدى المصريين القدماء، إذ تشير الأدلة إلى وجود منظومة متكاملة لإدارة عمليات استخراج الأحجار ونقلها إلى مواقع البناء البعيدة على ضفاف النيل، الأمر الذي يعكس قدرة متميزة على تجاوز التحديات الطبيعية المرتبطة بالصحارى والمناطق الجبلية، ويؤكد تطور التفكير العملي والهندسي لديهم.
ويحيط بمقلع ودان الفرس بيئة طبيعية غنية تتداخل فيها القيم الجيولوجية مع الأبعاد الثقافية، حيث تتجاور التكوينات الصخرية الفريدة مع آثار الأنشطة البشرية القديمة، وهو ما يمنح المكان خصوصية مضاعفة، ويجعله جزءًا من منظومة متكاملة تضم جبل القطراني ومحمية بحيرة قارون، وكلاهما يمثلان عناصر بارزة في ملف الترشيح للانضمام إلى قائمة التراث العالمي.
وتسعى الجهات المعنية حاليًا إلى استكمال أعمال التوثيق والدراسة الميدانية للموقع، ضمن خطة شاملة لحماية الآثار المصرية غير المعروفة على نطاق واسع، والعمل على إبرازها أمام المؤسسات الدولية، وهو ما يعزز من قيمة المقلع كوجهة ثقافية وسياحية، ويدعم في الوقت ذاته جهود الدولة المصرية في الحفاظ على تراثها المتنوع.
ويظل مقلع ودان الفرس شاهدًا مميزًا على استمرارية الحضارة المصرية القديمة، ودليلًا على كيفية استغلال الإنسان القديم لموارده الطبيعية في بناء حضارة خالدة، فيما يستمر الموقع في جذب أنظار الباحثين والمهتمين بالتاريخ والآثار باعتباره أحد المعالم البارزة على طريق إدراج مصر في سجل التراث الإنساني المشترك.