يُعتبر قصر الجم، المعروف قديماً باسم تيسدروس، مسرحاً أثرياً رومانياً ضخماً يقع في مدينة الجم بولاية المهدية في تونس، وهو أحد أفضل الآثار الرومانية المحفوظة على مستوى العالم، ويُؤرخ تاريخ بناء هذا الصرح المذهل إلى العام 238 ميلادي، وتحديداً في عهد القائد الروماني جورديان الثاني.
يحتل مدرج الجم المرتبة الثالثة عالمياً من حيث الحجم بين المسارح الرومانية، بعد مسرح كولوسيوم روما ومسرح كابو، ويعتبره المؤرخون الأجمل والأكثر صيانة بين المباني الأثرية الرومانية في قارة أفريقيا بأكملها، وقد تم تسجيل هذا الموقع رسمياً في قائمة اليونسكو للتراث العالمي منذ عام 1979.
صُمم المسرح بأبعاد خارجية تبلغ 148 متراً في 122 متراً، وتبلغ أبعاد حلبته 65 متراً في 39 متراً، وتتسع مدارجه لأكثر من 35 ألف متفرج، وفقاً لبعض التقديرات، ويتميز تصميمه المعماري بأنه تجاوز بعض الأخطاء الهندسية التي وُجدت في نظيره الروماني، وهو الوحيد من نوعه الذي لا يزال يحتفظ بواجهة سليمة بثلاثة طوابق من صالات العرض.
يقع تحت حلبة العرض رواقان رئيسيان، يصلهما الضوء عبر الفتحة الوسطى في الحلبة، مما ساعد على إضاءة المنطقة السفلية، كما كانت توجد فتحتان جانبيتان مخصصتان لرفع الوحوش الضارية والمصارعين من أسرى الحرب عبر مصاعد وشحن.
![]()
شَهِد المسرح في العهد الروماني مصارعات الوحوش ومعارك المصارعين وسباقات العربات، حيث كان النبلاء وعامة الشعب يجلسون في المدارج لمشاهدة تلك الاستعراضات الدموية، وتؤكد الاكتشافات الأثرية، مثل فسيفساء صراع الحيوانات، على الحماس الكبير للمدينة لتلك العروض.
احتمت بالحصن الملكة البربرية ضميا الملقبة “بالكاهنة” مع جيشها لمدة أربع سنوات أثناء الفتح الإسلامي لإفريقية في أوائل القرن الثامن الميلادي، ومن هنا جاء اسمه في بعض الكتابات العربية القديمة “قصر الكاهنة”، وفي عام 1695م، هُدم الجانب الغربي للقصر بأمر من باي تونس بعد أن تحصن به السكان أثناء ثورتهم.
يُعد الحجر الرملي، المستخرج من المحاجر الساحلية القريبة، المادة الإنشائية الرئيسية للمبنى، وهو ما يعطي جدرانه لون المغرة المميز بعد تحوله عن لونه الأبيض الأصلي، وقد أدى استخدام هذه المادة الحساسة للتآكل إلى بناء جدران وأرصفة سميكة ساهمت في الطابع الهائل للمبنى.
تحول قصر الجم اليوم من ساحة للصراعات الدموية إلى ركح ثقافي عالمي، إذ أصبح يستضيف سنوياً مهرجانات وحفلات لأشهر الفنانين والموسيقيين العالميين، خاصة الفرق السمفونية وعازفي موسيقى الجاز، ويُعتبر هذا التحول إحياءً للقيمة الفنية والتاريخية للمكان.
المصدر: اليونسكو