أنشأ السلطان المملوكي ناصر الدين محمد بن قلاوون مسجد الناصر محمد بن قلاوون داخل قلعة القاهرة التاريخية عام 1318 م، ويعد هذا المسجد شاهداً على مهارة العمارة المملوكية وقدرة الحكام على الجمع بين الفخامة الدينية والوظائف المجتمعية، وقد جرى تجديده بالكامل في عام 1335 ليحافظ على مكانته المرموقة ضمن المشهد العمراني للقاهرة، ويعكس المسجد مدى اهتمام المماليك بالفن المعماري الدقيق والتفاصيل الزخرفية المميزة.
يمثل المسجد نموذجاً فريداً للهندسة الإسلامية في العصور الوسطى، حيث يتزين بمآذن وأقواس وقباب عالية تعكس براعة المهندسين والحرفيين، كما تحتوي جدرانه على نقوش وزخارف هندسية ونباتية دقيقة تبرز جماليات العمارة المملوكية، ويظهر اهتمام المصممين بتناغم العناصر المعمارية مع الوظيفة الدينية للمسجد، ويتيح التصميم الداخلي للزائرين تجربة بصرية وروحية متكاملة بين الجمال والفن الديني.
خدم المسجد منذ بنائه المجتمع المحلي عبر أجيال عديدة، فقد كان مركزاً للصلاة والدروس الدينية، كما احتضن حلقات تعليمية للطلاب والفقهاء، وأسهم في تعزيز الحياة الثقافية والدينية داخل قلعة القاهرة، وقد لعب دوراً اجتماعياً من خلال كونه مكاناً لتلاقي العلماء والمصلين والزوار، وهو ما أكسبه شهرة كبيرة وارتباطاً وثيقاً بتاريخ العاصمة المصرية وأهلها.
تم إدراج مسجد الناصر محمد بن قلاوون في قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 1979 كجزء من القاهرة الإسلامية، ويؤكد هذا الإدراج على أهميته التاريخية والمعمارية والثقافية، كما يضمن له حماية دولية ويساهم في جهود الترميم والحفاظ على المبنى، وقد شهد المسجد على مر القرون تغييرات عديدة في بنيته نتيجة عوامل الزمن، إلا أن أعمال الترميم الحديثة أعادت إليه الكثير من رونقه الأصلي واحتفظت بعناصره المعمارية الهامة.
يشكل المسجد اليوم نقطة جذب للباحثين والزوار على حد سواء، حيث يوفر مثالاً حياً على فن العمارة المملوكية وعراقة الحرف اليدوية في القرن الرابع عشر، كما يتيح للزوار الاطلاع على تقنيات البناء والزخرفة الإسلامية التي تجمع بين الوظيفة والجمال، ويعكس المسجد تجربة متكاملة لفهم العلاقة بين الدين والفن والحياة اليومية في القاهرة القديمة.
يعكس مسجد الناصر محمد بن قلاوون قيمة التراث المعماري الإسلامي في مصر، ويساهم إدراجه ضمن التراث العالمي في إبراز دور القاهرة كمركز حضاري وثقافي بارز، كما يؤكد على أهمية الحفاظ على المباني التاريخية التي تمثل ذاكرة الإنسان المشترك، ويبرز المسجد كرمز للعراقة والفن والروحانية التي ميّزت القاهرة الإسلامية عبر القرون، ويظل شاهداً حياً على الإنجازات المعمارية للمماليك وأثرهم الدائم على الهوية الثقافية للعاصمة.
المصدر: ويكيبيديا