يُعد مسجد الحمدان واحدًا من المساجد الصغيرة من حيث الحجم، لكنه يحمل في طياته تاريخًا عريقًا وقيمة دينية ومعمارية مميزة في قلب مدينة الكويت، وتحديدًا في براحة الحمدان الواقعة بحي الوسط القديم، خلف مبنى بورصة الكويت على شارع علي السالم.
ورغم بساطة تصميمه وصغر مساحته، فإن هذا المسجد ظل شاهدًا على حقبة طويلة من تاريخ الكويت الديني والعمراني، واستمر يؤدي رسالته في العبادة والتواصل المجتمعي لأكثر من قرن ونصف من الزمن.
أسس المسجد محمد بن باشق الحمدان القناعي في عام 1260 هجريًا، الموافق لعام 1844 ميلاديًا، ليكون أحد أوائل المساجد التي شُيّدت في المنطقة، وقد جاء بناؤه في وقت كانت الكويت لا تزال تعتمد على البناء التقليدي بالطين والحجر وأسقف الجندل، وكانت المساجد آنذاك صغيرة الحجم تخدم الأحياء القريبة وتلبي حاجة السكان المحليين للصلاة والتعلم.
ورواق الصلاة في المسجد يحتوي على صفين متوازيين من الأعمدة، مع محراب يتوسط الجدار القبلي، ما يعكس بساطة العمارة الدينية في تلك المرحلة دون أن ينقص من قدسية المكان أو وظيفته.
وبسبب تعرّض المسجد لبعض التصدعات الناتجة عن العوامل الطبيعية، جرت أولى عمليات الترميم عام 1945 على يد عدد من المحسنين الكويتيين الذين تطوّعوا بإصلاحه حفاظًا على مكانته.
ولم تمضِ سوى عشر سنوات حتى تولّت دائرة الأوقاف العامة مهمة التجديد الثاني، حيث تم في 3 من ذي القعدة 1375 هـ، الموافق 11 يونيو 1956م، تنفيذ إعادة بناء كاملة للمسجد بتكلفة بلغت (137,277) روبية، وهي ميزانية كانت تُعد كبيرة نسبيًا في ذلك الوقت، ما يعكس الحرص الرسمي على صيانة هذا المعلم الديني واستمراره في أداء وظيفته.
وفي إطار الجهود الحديثة لتأهيل المساجد التاريخية، خضع المسجد لاحقًا لعملية تجديد نفذتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، شملت تحسين البنية التحتية وتطوير المرافق بما يتناسب مع متطلبات العصر، مع الحفاظ على الطابع المعماري التراثي الذي يميز المسجد عن المباني الحديثة المحيطة به.
وتجدر الإشارة إلى أن المسجد يحظى بوقف كريم سجله قاضي الكويت آنذاك الشيخ عبد العزيز قاسم حماده، الذي أوقف في عام 1942 دكانًا وبيتًا يعود ريعهما للقائمين على مهام الإمامة والأذان في المسجد، وهو ما يعكس طبيعة التكاتف المجتمعي الذي ميّز المجتمع الكويتي في تلك الحقبة.
ويستمر مسجد الحمدان اليوم، رغم حجمه المحدود، في أداء رسالته بكل احترام وتقدير، ويظل من المعالم الصغيرة في الحجم، الكبيرة في أثرها، والتي تُجسد جانبًا مهمًا من ذاكرة الكويت العمرانية والدينية.
المصدر: الراي