تتصدر مدينة فاس قائمة المدن التاريخية في العالم، حيث تحتفظ بمكانتها كواحدة من أقدم وأكبر المدن التي ما زال المشاة فيها هم النمط السائد للحركة اليومية، وتُصنف المدينة ضمن مواقع التراث العالمي، لما تحتويه من معالم أثرية نادرة ومؤسسات تعليمية وثقافية تعكس عراقة الحضارة المغربية، وتعزز مكانة المغرب كوجهة ثقافية وسياحية عالمية، وتوفر نموذجًا فريدًا للحفاظ على التراث ضمن إطار الحياة المعاصرة.
تُعد فاس البالي، أو ما تُعرف بالمدينة العتيقة، من أقدم الأحياء التاريخية المحصنة في المغرب، وهي تتألف من آلاف الأزقة الضيقة التي تنشط فيها التجارة التقليدية، وتنتشر على أطرافها الأسواق الشعبية التي تبيع المنتجات اليدوية، والمنتجات الجلدية، والتوابل، والملابس التقليدية، وقد نجحت المدينة في الحفاظ على طابعها المعماري المميز منذ قرون، دون أن تمسها مظاهر التحديث التي غيرت ملامح مدن أخرى، مما جعلها تمثل نموذجًا حيًا للمدينة الإسلامية في القرون الوسطى.
تشكل جامعة القرويين نقطة محورية في التراث الفكري لفاس، فهي تعد أقدم جامعة في العالم لا تزال تؤدي دورها الأكاديمي حتى اليوم، وتأسست سنة 857م، وتخرّج فيها العديد من العلماء والمفكرين الذين تركوا بصمات واضحة في التاريخ العربي والإسلامي، ولا تزال الجامعة تحظى بمكانة علمية وثقافية كبيرة حتى الآن، وهي جزء لا يتجزأ من هوية المدينة.
ومن أبرز معالم فاس كذلك مدبغة شوارة، التي تمثل واحدة من أقدم المدابغ في العالم، وتتميز باستخدام طرق تقليدية في معالجة الجلود، ويُعتبر مشهد العمال الذين يقفون وسط الأحواض الملونة بالدباغة مشهدًا مألوفًا في المدينة القديمة، ويجذب مئات الزوار يوميًا لمتابعة مراحل التصنيع اليدوي للجلد الطبيعي، كما تبرز أبواب المدينة التاريخية مثل باب الفتوح وباب بوجلود بزخارفها المعمارية اللافتة، وتُشكل مداخل رمزية تعكس روح المدينة وتاريخها الممتد.
وتنتشر في فاس عدة مدارس تاريخية من بينها المدرسة البوعنانية، التي تجسد فنون العمارة المرينية، وتكملها المساجد القديمة مثل مسجد القرويين ومسجد الأندلسيين، وأسواق مميزة مثل سوق النجارين وسوق العطارين، ويعمل في هذه الأسواق عشرات الحرفيين في مجالات النسيج وصناعة النحاس والفخار والخزف، وتوفر هذه الصناعات التقليدية مورد رزق دائم لسكان المدينة وتبقي الموروث الحرفي حيًا ومتداولًا بين الأجيال.
وتحتضن المدينة مهرجانات ثقافية وفنية على مدار العام، أبرزها مهرجان فاس للموسيقى الروحية، الذي يُقام في مواقع أثرية داخل المدينة، ويجمع موسيقيين من مختلف الثقافات، في حدث يعكس التعايش والتنوع الذي تمثله فاس منذ قرون، وتُعد المدينة بمثابة متحف مفتوح يوثق تاريخ المغرب ويبرز غناه الثقافي، كما تسهم في دعم السياحة الداخلية والدولية، وتوفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة للحرفيين والسكان المحليين.
وتمثل فاس اليوم واحدة من أكثر المدن التزامًا بالحفاظ على الهوية المغربية، من خلال الربط بين الماضي والحاضر، دون التفريط في أصالتها أو الابتعاد عن تراثها، وهي تقدم للزائرين تجربة مختلفة تمامًا عن أي مدينة أخرى، وتتيح لهم السير في شوارع التاريخ، واكتشاف تفاصيل ثقافية وحضارية لا تزال تنبض بالحياة في كل زقاق وكل سوق وكل حجر.
المصدر: ويكيبيديا