تمثّل مدينة طيبة القديمة، التي تعرف اليوم باسم الأقصر، واحدة من أبرز المحطات التاريخية والمعمارية في مصر القديمة، حيث تُجسّد نموذجًا فريدًا لتطور الحضارة المصرية في أوج ازدهارها، وتُعد شاهدًا حيًا على عبقرية الفراعنة في تخطيط المدن وبناء المعابد الجنائزية والدينية.
أسهمت طيبة، خلال فترات المملكة الوسطى والحديثة، بدور محوري في قيادة مصر سياسيًا ودينيًا، إذ كانت عاصمة الدولة ومركزًا رئيسيًا لعبادة الإله آمون، وقد تركت هذه المكانة الرفيعة أثرها واضحًا في معالمها المتعددة التي ما زالت تحافظ على هيبتها وروعتها حتى اليوم.
اكتسبت طيبة أهميتها العالمية حين أدرجتها منظمة اليونسكو عام 1979 ضمن قائمة مواقع التراث الثقافي العالمي، لتصبح بذلك من أبرز الشواهد الموثقة على الحضارة الفرعونية، فالمعابد الشاهقة والمقابر الملكية المنحوتة في الجبال تروي تفاصيل قصة حضارة ضاربة في أعماق الزمن، تميزت بالعلم والفن والروحانية.
ويُعد مجمع معابد الكرنك من أبرز معالم طيبة، إذ يُعتبر من أكبر المجمعات الدينية في العالم القديم، ويضم صروحًا شاهقة وقاعات ضخمة وأعمدة مزخرفة وكتابات هيروغليفية تمجّد ملوك الدولة الحديثة وتُظهر مكانتهم لدى الآلهة.
وعلى مقربة من الكرنك، يقع معبد الأقصر، الذي يجسد مثالًا واضحًا على الفن المعماري والديني، حيث يتسم ببنائه المتناغم وبمسلاته الضخمة التي ما زالت تحرس واجهته حتى اليوم.
أما على الضفة الغربية للنيل، فتبرز مدينة طيبة الجنائزية، التي تضم أشهر مقابر الملوك والملكات، وعلى رأسها وادي الملوك الذي يضم المقبرة الشهيرة للملك توت عنخ آمون، إلى جانب عشرات المقابر الأخرى المزينة بالنقوش والرسوم الجنائزية الملونة، كما يحتوي وادي الملكات على مقابر رائعة الجمال تخلّد أسماء ملكات عظيمات مثل نفرتاري.
ولا يمكن الحديث عن طيبة دون الإشارة إلى معبد حتشبسوت، الذي يتميز بتصميمه المتدرج على سفح الجبل في الدير البحري، ومعبد مدينة هابو الذي بناه الملك رمسيس الثالث ليكون من أضخم المعابد الجنائزية في مصر، فضلًا عن تمثالي ممنون الشهيرين اللذين يقفان كحارسين صامتين على مدخل طيبة الغربية، إن هذه المعالم مجتمعة تُشكّل بانوراما فريدة للحضارة المصرية القديمة وتكشف عن جوانبها السياسية والدينية والفنية.
تستمر طيبة اليوم، رغم مرور آلاف السنين، في اجتذاب ملايين الزوار من مختلف أنحاء العالم، لما تحمله من رموز حضارية وجمالية مدهشة تجعلها واحدة من أكثر المواقع الأثرية شهرة على مستوى العالم.
المصدر: اليونسكو