يستقطب موقع مدينة جرش الأردنية اهتمام الباحثين والزوار لما يحمله من تاريخ يمتد لقرون طويلة، فقد تأسست المدينة في عهد الإسكندر المقدوني خلال القرن الرابع قبل الميلاد، وعرفت قديماً باسم جراسا، كما تعد واحدة من أبرز المدن التي تركت بصمتها في الحضارة اليونانية والرومانية، حيث شهدت تطوراً عمرانياً وثقافياً جعلها من المراكز المزدهرة في المشرق القديم.
شهدت جرش عصرها الذهبي تحت الحكم الروماني، إذ تحولت إلى مدينة مزدهرة بالبنى التحتية المتقدمة التي عكست قوة وثراء تلك الحقبة، وتميزت بوجود الشوارع المرصوفة بالأعمدة، والمسارح، والمعابد، والبوابات الضخمة، التي ما تزال شاهدة حتى اليوم على عراقة تلك المرحلة، كما استقطبت عبر العصور السكان والتجار القادمين من مناطق متعددة، مما جعلها نقطة التقاء حضاري بين الشرق والغرب.
يعتبر المسرح الجنوبي من أبرز معالم المدينة الأثرية، حيث يتسع لآلاف المتفرجين، ويستخدم حتى اليوم لإقامة المهرجانات الفنية والثقافية، كما يظهر تصميمه مدى الإتقان في فنون البناء والهندسة الصوتية لدى الرومان، إضافة إلى الشوارع المصفوفة بالأعمدة الشهيرة التي تمتد لمئات الأمتار، وتعكس تخطيطاً عمرانياً متقدماً لم يكن شائعاً في المدن المعاصرة لها.
وتحوي جرش أيضاً بقايا لمعابد مخصصة للآلهة الرومانية مثل أرتميس وزيوس، بجانب بوابات ضخمة مثل بوابة هادريان التي شُيدت تخليداً لزيارة الإمبراطور الروماني للمدينة، فيما تضيف الساحات العامة والحمامات الأثرية بعداً آخر يعكس الحياة الاجتماعية والاقتصادية التي ازدهرت فيها عبر العصور، وهو ما جعلها أحد أكثر المواقع الأثرية اكتمالاً في الشرق الأوسط.
تواصل المدينة اليوم جذب آلاف السياح سنوياً بفضل الحفاظ على معالمها الأثرية، إضافة إلى تنظيم مهرجان جرش للثقافة والفنون الذي يسلط الضوء على دورها كمركز للحضارة والفنون عبر العصور، كما تعمل السلطات الأردنية على تطوير البنية السياحية لتوفير تجربة متكاملة للزوار، تجمع بين الاستكشاف التاريخي والاستمتاع بالأنشطة الثقافية والفنية.
وقد أدرجت جرش في القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو تحت الاسم الرسمي “مدينة جرش الأثرية مكان التلاقي القديم بين الشرق والغرب”، ما يعكس قيمتها العالمية وإمكانية اعتمادها كموقع تراث عالمي، وهو ما سيعزز مكانتها على الخريطة السياحية والثقافية الدولية، ويؤكد دورها في الحفاظ على الهوية التاريخية المشتركة للبشرية.
تظهر جرش اليوم كجسر يربط الماضي بالحاضر، فهي تحمل آثار حضارات متعاقبة، وتواصل تقديم نفسها كإحدى المدن الأثرية الأكثر محافظة على معالمها في المنطقة، مما يجعلها مرشحة قوية للحصول على اعتراف عالمي من منظمة اليونسكو، ويمنح الأردن نقطة قوة إضافية في إبراز تراثه العريق أمام العالم.
المصدر: موسوعة المملكة الأردنية
