تُعد مدافن جنوسان في المحافظة الشمالية بالبحرين أحد أبرز الشواهد الأثرية التي تعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد، حيث ارتبطت هذه المدافن بحضارة دلمون العريقة، وسُجلت ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 2019 باعتبارها جزءاً من تلال مدافن دلمون التي تضم مواقع متفرقة على أرض البحرين، مما يعكس قيمة استثنائية في تاريخ المنطقة.
تتكون مدافن جنوسان من تلال ركامية تضم مقابر أسطوانية منخفضة الحجم، وتكشف طبيعة تصميمها عن تقاليد جنائزية معقدة سادت في دلمون، إذ اعتُبرت البحرين مركزاً حضارياً بارزاً في المنطقة بفضل موقعها الاستراتيجي وصلاتها التجارية، وهو ما انعكس في آثارها الجنائزية التي تعكس هوية اجتماعية ودينية فريدة.
الموقع يُعد جزءاً من منظومة أثرية متكاملة تضم 21 موقعاً داخل البحرين، وتشير كثافة المدافن في جنوسان إلى أهمية المنطقة كمركز جنائزي رئيسي، كما أظهرت الحفريات الأثرية التي جرت هناك تفاصيل دقيقة عن أنماط الحياة الدلمونية، بدءاً من الطقوس الجنائزية وصولاً إلى طرق تنظيم المجتمع.
تُبرز تصاميم المدافن التفاوت الاجتماعي في تلك الحقبة، حيث وُجدت مدافن مميزة كانت مخصصة للنخبة أو الطبقات العليا، وهو ما يعكس وجود مجتمع منظم يمتلك هياكل سلطوية واجتماعية واضحة، ويكشف في الوقت نفسه عن التنوع الحضاري الذي ميز حضارة دلمون عبر قرون طويلة.
وتقع مدافن جنوسان ضمن بيئة أثرية غنية في المحافظة الشمالية، حيث تضم المنطقة واحداً من أكبر تجمعات المدافن الركامية في العالم، ما يجعلها مقصداً للباحثين في علم الآثار، إلى جانب كونها وجهة مفضلة للزوار الراغبين في استكشاف التاريخ القديم للبحرين.
كما توضح هذه المدافن تطور المعتقدات الدينية والجنائزية عند شعب دلمون، إذ ارتبطت الطقوس الجنائزية لديهم بمفاهيم روحانية واجتماعية عميقة، ما جعل الموقع مصدراً مهماً لفهم طبيعة التفكير الديني والمجتمعي في تلك العصور القديمة.
وتواصل هيئة البحرين للثقافة والآثار جهودها في حماية مدافن جنوسان وصونها، عبر مشاريع ترميم وحملات توعية، إلى جانب تنظيم فعاليات ثقافية لتعريف المجتمع والزوار بقيمتها التاريخية، وهو ما يسهم في جعلها أحد أبرز المعالم السياحية في البلاد.
زيارة مدافن جنوسان تمثل تجربة معرفية وثقافية فريدة، فهي رحلة إلى الماضي تكشف عن إرث حضارة دلمون التي تركت بصمتها العميقة في تاريخ البحرين، وتمنح الزوار فرصة للاطلاع على ملامح حياة امتدت آلاف السنين.
مدافن جنوسان تظل شاهداً حياً على التاريخ البحريني، فهي ليست مجرد مقابر قديمة بل سجل حضاري يربط الماضي بالحاضر، ويؤكد مكانة البحرين كمركز حضاري بارز في تاريخ المنطقة.
المصدر: ويكيبيديا
