يشكل مجمع السلطان الأشرف الغوري واحدًا من أبرز المعالم التاريخية في القاهرة، إذ يتألف من خانقاه ومدرسة وسبيل ومسجد بُنيت جميعها بأمر السلطان المملوكي قانصوه الغوري بين عامي 1503 و1505 ميلادية، ليعكس المجمع عظمة العمارة الإسلامية في أوج ازدهارها خلال الحقبة المملوكية، ويبرز الدور المحوري للمؤسسات الدينية والتعليمية في الحياة العامة آنذاك.
ويتميز المجمع بتصميم معماري متكامل جمع بين الطابع الديني والتعليمي والخيري، فقد أنشئت الخانقاه كمكان للمتصوفة ومريديهم لممارسة الشعائر والاعتكاف، بينما ضمت المدرسة حلقات للعلم الشرعي وعلوم اللغة والفقه، في حين خُصص السُبيل لتوفير المياه لأهل القاهرة وعابري السبيل، أما المسجد فظل قلب المجمع النابض بالصلاة والعبادة، لتجتمع بذلك وظائف متعددة تخدم المجتمع وتعكس رؤية الغوري في رعاية الدين والعلم والخير.
ويكشف الطراز المعماري للمجمع عن مستوى رفيع من الإبداع، حيث تزين جدرانه نقوش وزخارف بديعة تحمل الطابع المملوكي المميز، وتعلو مئذنته الشاهقة لتكون علامة بارزة في المشهد العمراني للقاهرة التاريخية، كما جاءت القباب والأقواس مزدانة بأشكال هندسية متقنة تجسد روعة الفنون الإسلامية، ما جعل المجمع تحفة معمارية خالدة تعكس مزيجًا من الجمال والهيبة الروحانية.
كما أن السلطان قانصوه الغوري لم يكن مجرد حاكم سياسي، بل عُرف عنه اهتمامه الكبير بالعمارة ورغبته في ترك إرث حضاري يخلد اسمه، فجاء هذا المجمع ليكون انعكاسًا لطموحه وذوقه الفني، وقد أسهم في تعزيز مكانة القاهرة كمركز للعلوم والفنون الإسلامية في ذلك العصر، إذ أصبحت المدينة وجهة للعلماء والمتصوفة والطلاب، ومقصدًا للتجار والزوار من مختلف الأقطار.
وقد اكتسب المجمع أهمية عالمية عندما أدرجته منظمة اليونسكو عام 1979 على قائمة التراث العالمي ضمن القاهرة الإسلامية، ليكون اعترافًا دوليًا بقيمته التاريخية والمعمارية، حيث يمثل أحد العناصر البارزة التي تشكل هوية العاصمة المصرية، ويحمل في طياته ذاكرة حضارية تجسد عصورًا مضت وما زالت آثارها قائمة حتى اليوم.
ولا يزال مجمع السلطان الغوري يستقطب الزوار من مختلف أنحاء العالم، إذ يأتي السياح والباحثون لاكتشاف تفاصيله الدقيقة والتأمل في نقوشه وزخارفه الفريدة، بينما يشكل بالنسبة للمصريين رمزًا متجددًا يعكس أصالة تاريخهم العريق، وفي رحابه يجد الزائر فرصة لاستشعار عبق الماضي وملامسة القيم الروحانية التي تميزت بها العمارة الإسلامية، ليبقى المجمع شاهدًا خالدًا على حضارة لا تنضب ومعلَمًا بارزًا في سجل التراث العالمي.
المصدر: الشرق الأوسط