خطّ متحف الكويت الوطني عبر سنوات متعاقبة، تاريخ البلاد وحياة منطقة الخليج العربي السابقة، عارضاً مقتنياته من صناعات وحرف ونشاطات كانت سائدة في الماضي، وواصل المتحف سرد حكايته عن عادات وتقاليد وتراث أهل الكويت الأصيل، مستمراً في تقديم رسالته على مدى ستة عقود كاملة، ليصبح بذلك شاهداً حياً على ماضي الأمة.
يجسّد هذا المتحف الوطني نموذجاً مبسطاً لنمط الحياة الكويتية في الأمس، حيث افتتحه رائد التعليم الشيخ الراحل عبدالله الجابر الصباح في 31 ديسمبر 1957، ويحتضن المتحف مجموعة واسعة من الأواني والمقتنيات اليومية التي استخدمت آنذاك، إلى جانب فنون أثرية ثمينة، مثل المنسوجات والمخطوطات النادرة والتحف الفنية المتنوعة.
تعود البداية الأولى لإنشاء المتحف إلى فترة الخمسينيات، حين اقترح مستشارو الشيخ عبدالله الجابر، الذي كان يشغل منصب رئيس دائرة المعارف، تأسيس متحف وطني شامل، وكان الهدف الأسمى هو عرض التراث الكويتي الأصيل، والمهن القديمة، ومن أبرزها صناعة السفن الخشبية العملاقة.
وشملت الرؤية الأولية أيضاً ضرورة حفظ وعرض الأزياء الشعبية المتميزة، وتوثيق البيئة الطبيعية المحلية بشقيها البري والبحري الغني بالتنوع.

صدر الأمر السامي بإنشاء المتحف من حاكم الكويت حينها، المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح، وذلك إدراكاً لأهمية صون التراث الوطني للأجيال القادمة، وتصادف اليوم مرور ستين عاماً كاملاً على افتتاحه التاريخي الهام.
وقع الاختيار الموفق على المرحوم أحمد العثمان ليتولى الإشراف المباشر على شؤون المتحف في مرحلته التأسيسية، واستمرت مهمته حتى وصول أول مدير رسمي للمتحف في منطقة الخليج العربي.
تولى الراحل طارق السيد رجب، الباحث البارز في مجال التراث والفن، منصب أول مدير للمتحف، ليضع بذلك أولى الدعائم الإدارية والمنهجية لهذا الصرح الثقافي الهام.
المتحف افتتح قبل بضعة أشهر فقط من وصول أول بعثة تنقيب دولية لجزيرة فيلكا، والتي بدأت عملها في موسم 1958 للكشف عن كنوزها المدفونة، وهدفت رؤية المتحف بالأساس إلى عرض وحفظ التراث الكويتي بكل تفاصيله الثقافية، ومن ضمنها الملابس التقليدية، والعادات الاجتماعية، والمهن المندثرة.
ضُمّت مكتشفات العصرين البرونزي والهيلينستي، التي عُثر عليها في جزيرة فيلكا لاحقاً، إلى مجموعات المتحف بشكل رسمي، ما أضاف بعداً تاريخياً وعمقاً حضارياً إلى محتواه الغني.
وصُمّم المبنى الحالي للمتحف بواسطة المهندس المعماري الفرنسي الشهير ميشيل إيكوشار، وهو تصميم مميز حاز على جائزة عالمية رفيعة في مجال العمارة المبتكرة.
يتألف المتحف المعاصر من مبنيين رئيسيين، أحدهما مخصص لعرض التراث الشعبي الكويتي التقليدي، والآخر يستضيف مجموعة الصباح القيّمة والنادرة.
وتضم مجموعة الصباح مقتنيات الشيخ ناصر صباح الأحمد وحرمه الشيخة حصة الصباح، رئيسة دار الآثار الإسلامية، ما يعكس الاهتمام العائلي العميق بالتراث، ودور القيادة في حفظ الموروث.
يقف بوم “المهلب” البحري شامخاً كأحد أبرز وأجمل المعالم البصرية للمتحف، حيث يعرض في الواجهة البحرية المطلة على الخليج، ويرمز هذا البوم إلى أهمية صناعة السفن، ودورها الحيوي في حياة الكويتيين، وتاريخهم التجاري والغوص على اللؤلؤ، يُعد هذا المعرض بمثابة متحف مصغر للحياة البحرية الثرية، يعرض المقتنيات الخاصة بهذه البيئة التي شكلت جزءاً جوهرياً من هوية البلاد.
استطاع متحف الكويت الوطني أن يحافظ على موقعه الريادي كذاكرة حية للأمة، يربط الأجيال الجديدة بتاريخ أسلافها العريق والمجيد، ويقدم لهم بانوراما متكاملة لتاريخ المنطقة القديم والحديث.
يظل المتحف مركزاً ثقافياً تعليمياً رئيسياً، حيث يوثق التحولات الاجتماعية والاقتصادية الكبرى، التي شهدتها الكويت عبر مراحل تأسيسها وتطورها، ويعكس هذا الصرح العظيم حرص الكويت الراسخ على صون موروثها الثمين.
المصدر: الأنباء