يقع كنيس دورا أوروبوس الأثري في مدينة دورا أوروبوس بمحافظة دير الزور شرق سورية، حيث يطل على الضفة الغربية لنهر الفرات، ويعد من أقدم المعابد اليهودية المكتشفة في العالم، ما يجعله موقعاً فريداً يختصر جوانب متعددة من التاريخ الديني والثقافي في المنطقة.
شُيّد الكنيس في القرن الثالث الميلادي حوالي عام 244 ميلادية، وتشهد النقوش والكتابات الآرامية الموجودة في المكان على هذا التاريخ، ويبرز من خلاله الوجود اليهودي في شرق سورية خلال فترة ازدهار مدينة دورا أوروبوس كمركز حضاري مهم على ضفاف الفرات.
يتميز الكنيس برسوماته الجدارية النادرة التي ما زالت تحتفظ بقيمتها التاريخية والفنية، وقد نُقلت هذه الرسومات إلى متحف دمشق الوطني لحمايتها، وتظهر اللوحات مشاهد توراتية مرسومة بأسلوب فني يعكس المزج بين المعتقد الديني والمهارة الفنية في ذلك الزمن.
أُدرج موقع دورا أوروبوس بما فيه الكنيس ضمن القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو تحت عنوان “دورا أوروبوس”، ليؤكد هذا التصنيف مكانته كجزء من التراث الإنساني العالمي، كما يجسد الموقع التعددية الثقافية والدينية التي ميزت العصور القديمة في سورية.
كان الكنيس يمثل مركزاً دينياً واجتماعياً للجالية اليهودية المقيمة في المدينة، حيث عكس تصميمه المعماري مزيجاً من البساطة والاهتمام بالفنون الجدارية، وهو ما يجعله مثالاً للعمارة الدينية اليهودية في القرن الثالث، ونافذة لفهم الحياة الروحية والاجتماعية للمجتمع المحلي.
تعكس الرسومات الجدارية بعداً فنياً وروحانياً متكاملاً، فهي تقدم سرداً بصرياً لقصص توراتية بلغة فنية تحمل طابعاً مميزاً، وتبرز في الوقت نفسه القدرة على استخدام الفن كأداة للتعبير الديني ولتوثيق الهوية الثقافية.
يجذب الموقع الباحثين وعلماء الآثار الذين يرون فيه فرصة لدراسة تاريخ اليهود في المنطقة، كما يتيح للمهتمين بالتاريخ القديم التعرف على التفاعل الثقافي الذي ساد بين المجتمعات المختلفة في دورا أوروبوس، بما يعكس اندماجاً حضارياً فريداً.
ورغم تعرض الكنيس للتدهور مع مرور القرون، إلا أنه يظل رمزاً لصمود الهوية الثقافية والدينية، فهو يروي حكاية مجتمع متنوع عاش في مدينة ذات بعد استراتيجي، كما يبرز قدرة الفن على أن يحفظ للتاريخ جزءاً من تفاصيله الدقيقة.
يبقى كنيس دورا أوروبوس شاهداً على الإرث الديني والثقافي في سورية، ودعوة مفتوحة للحفاظ على التراث الأثري، إذ يمنح الزائرين والباحثين فرصة لفهم الجذور العميقة للحضارات القديمة، ويجسد الدور المهم الذي لعبته سورية كملتقى للتاريخ والتنوع عبر العصور.
المصدر: صحيفة جسر