يبرز كشك قرطاسي كأحد الشواهد الأثرية الرومانية النادرة التي شيدت في النوبة خلال القرن الأول الميلادي، وقد نقل هذا الأثر إلى منطقة كلابشة الجديدة بمحافظة أسوان ضمن مشروع إنقاذ آثار النوبة المهددة بالغرق مع بناء السد العالي، وأدرج الكشك في قائمة اليونسكو للتراث العالمي عام 1979 ضمن موقع “معالم النوبة من أبو سمبل إلى فيلة”، ليصبح شاهدًا على تواصل الحضارات القديمة في جنوب مصر.
يقع الكشك بالقرب من مدينة أسوان في منطقة النوبة القديمة، ويكتسب أهميته من ارتباطه بالديانة المصرية القديمة، إذ كان يستخدم كمكان لاستراحة مركب الإلهة إيزيس أثناء انتقالها من مركز عبادتها في جزيرة فيلة إلى معابد النوبة، وهو ما يمنح الكشك قيمة دينية خاصة تجعله جزءًا من الطقوس المرتبطة بعبادة الآلهة، كما يعتقد بعض الباحثين أنه كان مكرسًا للإلهة حتحور، ما يوضح تعدد الرموز الدينية المرتبطة به.
يعكس تصميم الكشك الطراز المعماري الروماني الممزوج بالتأثيرات المصرية، حيث تميزه الأعمدة الضخمة التي تتوجها تيجان مزخرفة تكشف عن مزيج فني يجمع بين الدقة الرومانية والرمزية المصرية، وقد اعتبر الكشك نموذجًا فريدًا من نوعه لأنه يجسد مرحلة تاريخية شهدت تداخل الحضارتين في عمارة النوبة، ويؤكد استمرار دور المنطقة كحلقة وصل حضارية بين مصر الفرعونية والعالم الروماني.
نقل الكشك في ستينيات القرن الماضي إلى موقعه الحالي قرب معبد كلابشة جاء في إطار حملة إنقاذ آثار النوبة التي أطلقتها منظمة اليونسكو، حيث تم تفكيك المعبد وإعادة تركيبه بدقة في موضع آمن، وكان ذلك ضمن جهود دولية لإنقاذ عشرات المعابد التي هددتها مياه بحيرة ناصر، وهو ما جعل الكشك اليوم شاهدًا على نجاح واحدة من أضخم عمليات إنقاذ التراث في القرن العشرين، وأحد النماذج التي تثبت قدرة التعاون الدولي على حماية التاريخ الإنساني.
اليوم يشكل الكشك نقطة جذب لزوار أسوان المهتمين بالتاريخ القديم، حيث يقفون أمام أعمدته وزخارفه للتعرف على ملامح العمارة الدينية في العصور الرومانية، كما يمثل مادة غنية للباحثين الذين يدرسون أثر الحضارة الرومانية في مصر وكيفية تفاعلها مع المعتقدات المحلية، وتبقى نقوشه وزخارفه دليلًا على التنوع الثقافي الذي شهدته النوبة عبر القرون.
يظل كشك قرطاسي حاضرًا في المشهد الأثري لأسوان كجزء من مجموعة معابد النوبة المنقولة، ويجسد قيمة فريدة كأثر صغير في حجمه لكنه كبير في معناه التاريخي والديني، إذ يجمع بين دور ديني مرتبط بالآلهة المصرية وتفاصيل معمارية رومانية تبرز امتداد التأثيرات الثقافية، وهو ما يضعه في مصاف الآثار التي توثق مراحل التفاعل بين حضارات البحر المتوسط ووادي النيل.
المصدر: ويكيبيديا
