تتربع قلعة سمعان شمال غرب مدينة حلب كأحد أهم الشواهد التاريخية في سورية، ويعود تاريخ بنائها إلى القرن الخامس الميلادي، وتحمل اسم القديس سمعان العمودي الذي عاش فوق عمود حجري عقوداً طويلة، وجعل من الموقع مركزاً روحياً بارزاً في العالم المسيحي.
وتشكل القلعة جزءاً من القرى القديمة في شمال سورية التي سُجلت على قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 2011، والمعروفة باسم المدن المنسية، حيث تعكس طبيعة الحياة الدينية والثقافية التي ازدهرت في العصور البيزنطية، وتحتفظ بمكانة مميزة ضمن التراث الإنساني.
وتتميز القلعة بتصميم معماري فريد يظهر من خلال بقايا الدير والكنيسة والقاعة الرئيسية، وتبرز فيها الأعمدة الضخمة والأقواس المزخرفة التي تعكس مهارة الحرفيين البيزنطيين، كما تشهد على تأثيرات ثقافية جمعت بين التقاليد المحلية والعناصر الرومانية.
وتحكي القلعة قصة القديس سمعان العمودي الذي اعتزل الحياة بين الناس وصعد إلى قمة عمود ليمارس طقوس الزهد والتأمل، فأصبح قدوة لأتباعه، وجعل من القلعة مركزاً للحج المسيحي استقطب آلاف الزوار من مختلف المناطق خلال القرون الوسطى.
وتحتوي القلعة على تفاصيل فنية دقيقة تظهر في الأحجار المنحوتة والزخارف المعمارية، مما يمنحها قيمة أثرية متميزة، ويجعلها شاهداً على التداخل بين الإيمان والفن في الحقبة البيزنطية، كما تعكس مكانة العمارة الدينية كأداة لنشر الروحانية المسيحية.
وتواجه القلعة في الوقت الحاضر تحديات كبيرة نتيجة الأضرار التي لحقت بها بسبب النزاعات التي شهدتها سورية، ويسعى الخبراء حالياً إلى تنفيذ أعمال ترميم تهدف إلى حماية البقايا المتبقية والحفاظ على أصالتها التاريخية، وضمان استمرار حضورها في الذاكرة الإنسانية.
وتجذب القلعة الزوار من مختلف أنحاء العالم لما توفره من تجربة ثقافية وروحانية فريدة، إذ تتيح استكشاف طبيعة الحياة الدينية في العصور البيزنطية، وتمنح فرصة للتأمل في قصص الزهد والصبر التي ارتبطت بالقديس سمعان، مما يعزز مكانة الموقع كوجهة سياحية وأثرية مهمة.
وتضيف الطبيعة الجبلية المحيطة بالقلعة بعداً جمالياً خاصاً، حيث تمنح الزائر إطلالات بانورامية خلابة، وتجمع بين روعة المشهد الطبيعي وأصالة التراث الثقافي، مما يخلق تجربة متكاملة تجمع بين التاريخ والبيئة.
وتؤكد قلعة سمعان عبر حضورها المستمر على أهمية الحفاظ على التراث العالمي المشترك، فهي تمثل تفاعلاً بين الحضارة والدين والفن، وتظل شاهدة على إبداع الإنسان في مواجهة الزمن، وتقدم رسالة غنية عن الروحانية التي طبعت حياة المنطقة.
وتعد زيارة القلعة اليوم رحلة عابرة للتاريخ، تتيح للزائرين التعرف على إرث القديس العمودي، وتقدم تجربة ثقافية وروحية عميقة، تؤكد على قيمة التراث الإنساني المشترك، وتبرز دور سورية كمهد للحضارات المتعاقبة.
المصدر: اليونسكو