تتربع قلعة دوبية، المعروفة أيضًا بقلعة شقرا، قرب قرية شقرا في محافظة النبطية بجنوب لبنان، حيث يعود بناؤها إلى القرن الثاني عشر خلال فترة الحملات الصليبية، وقد شهدت عبر القرون ترميمات متتالية في العصور الأيوبية والمملوكية والعثمانية، مما جعلها تحتفظ بمكانتها كمعلم أثري بارز في جبل عامل.
تُجسد القلعة قوة العمارة العسكرية الصليبية التي اعتمدت على التحصين العالي والمتانة، إذ كانت حصنًا استراتيجيًا لحماية المنطقة من الغزوات، كما تكشف أسوارها الضخمة وأبراجها الباقية عن صلابة التصميم الذي صمد أمام عوامل الزمن، وأصبح رمزًا من رموز المقاومة التاريخية.
أُدرجت القلعة ضمن القائمة الإرشادية لليونسكو كونها تمثل جزءًا من الإرث الثقافي لقلاع جبل عامل، وهي اليوم تجذب الباحثين في مجالات التاريخ والآثار، إلى جانب الزوار والسياح المهتمين باستكشاف المواقع التي تروي قصص التفاعل الحضاري والعسكري في العصور الوسطى.
كشفت الحفريات الأثرية في الموقع عن أبراج وغرف دفاعية محصنة، إضافة إلى نقوش وزخارف معمارية توضح براعة الحرفيين الذين شاركوا في بنائها، كما أظهرت المكتشفات أدوات عسكرية وقطعًا معدنية ساعدت في رسم صورة أوضح عن طبيعة الحياة العسكرية التي سادت داخل القلعة.
يُبرز الموقع كونه نقطة التقاء حضارات متعددة، حيث امتزجت فيه التأثيرات الصليبية مع الطابع الإسلامي الذي أضاف إليه الزخارف والزوايا الثقافية، مما جعل القلعة تحمل مزيجًا معماريًا فريدًا يعكس التنوع الحضاري الذي ميّز المنطقة عبر العصور.
تواجه القلعة اليوم تحديات كبيرة بسبب العوامل البيئية التي تؤثر على سلامة جدرانها الحجرية، فالرطوبة والتآكل باتا يشكلان تهديدًا لبنيتها، الأمر الذي يستدعي جهود صيانة مستمرة ومشاريع ترميم متخصصة للحفاظ على قيمتها التاريخية وضمان بقائها للأجيال القادمة.
تعمل السلطات اللبنانية على تعزيز مكانة القلعة سياحيًا عبر خطط تطوير البنية التحتية المحيطة بها، وهو ما يهدف إلى دمجها بشكل أفضل في مسارات السياحة الثقافية في النبطية، بما يساهم في رفع الوعي المحلي بأهمية التراث الوطني ويدعم الحركة الاقتصادية في المنطقة.
تُشكل قلعة دوبية رابطًا حيًا بين الماضي والحاضر، فهي تلهم الزوار بقصص الحروب الصليبية وما تلاها من مراحل تاريخية، كما تجسد رمزية تراث جبل عامل الذي احتضن حضارات متعاقبة، لتبقى شاهدًا خالدًا على عصور من الصراعات والتحولات.
تستمر الأبحاث الأثرية للكشف عن المزيد من أسرار القلعة، حيث تُجرى الحفريات بعناية للحفاظ على ما تبقى من معالمها، مع توقعات بالكشف عن مكتشفات جديدة تثري المعرفة بتاريخ العمارة الدفاعية والحياة اليومية في العصور الوسطى.
تبقى قلعة دوبية شاهدًا على عبقرية العمارة الصليبية وتنوع التأثيرات الحضارية التي عرفها لبنان، وتدعم الجهود الدولية المبذولة لحمايتها قيمتها كتراث عالمي، لتظل كنزًا أثريًا خالدًا يعكس الذاكرة التاريخية والثقافية للمنطقة.
المصدر: ويكيبيديا