السبت 1447/06/01هـ (22-11-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » البحرين » مادي » الآثار » قلعة الرفاع تجسد مزيجاً من التراث المعماري والمكانة الوطنية وتروي قصة الحكم الأول في البحرين

قلعة الرفاع تجسد مزيجاً من التراث المعماري والمكانة الوطنية وتروي قصة الحكم الأول في البحرين

يتجدد حضور التاريخ في قلب الرفاع الشرقي، حيث تقف قلعة الرفاع شاهدة على قرون من التحولات السياسية والعمرانية في البحرين، إذ تجمع بين الطابع الدفاعي القديم والدور السكني الذي اتخذه آل خليفة مركزاً لإدارة شؤون المنطقة، وتروي تفاصيل بنائها مساراً من القوة والاستقرار ارتبط بتاريخ الدولة وتطورها، وظلت رمزاً للهوية البحرينية ومعلماً تاريخياً يتجاوز قيمته المعمارية ليحمل دلالات وطنية عميقة.

تتربع القلعة فوق جرف بسيط وسط منطقة منخفضة تحيط بها الصحراء، مما منحها موقعاً استراتيجياً مكّنها من الإشراف على الرفاع القديمة والحديثة معاً، وقد بُنيت في الأساس لتكون حصناً يحمي المستوطنة من الأخطار، ثم تحولت لاحقاً إلى مقر لإقامة الحكام، واحتفظت بمكانتها كمركز نفوذ سياسي واجتماعي.

بدأ تاريخ القلعة حين اتخذ الشيخ فرير بن رحال، وزير الشيخ الجبري في القرن الحادي عشر الهجري، من الرفاع الشرقي سكناً له وبنى فيها حصناً بسيطاً، لكن البناء الأول تهاوى مع مرور الوقت، حتى جاء سلمان بن أحمد آل خليفة في بدايات القرن التاسع عشر لينتقل من قرية جو إلى الرفاع، ويعيد بناء القلعة بين عامي 1812 و1818 على أنقاض الحصن القديم، وأجرى فيها تعديلات هيكلية جعلت منها مقراً حاكماً محصناً، كما أمر بحفر بئر غربي القلعة عُرف باسم الحنينية لتأمين المياه للسكان والحراس.

undefined

صُممت القلعة لتخدم غرضين أساسيين هما الدفاع والسكن، فهي تتكون من ثلاث مجموعات من الغرف المستطيلة تطل كل منها على فناء داخلي خاص يؤدي دوراً محدداً، بحيث تمتلك كل مجموعة نوعاً من الاستقلال الوظيفي، ويقع المدخل الرئيسي في الجهة الشمالية الشرقية بالقرب من المسجد، أما الفناء الأول فيضم سُلّماً داخلياً وبناءً حديثاً أُضيف في مرحلة لاحقة، بينما يتميز الفناء الثاني بحجمه الكبير وشكله المربع، ويضم غرفاً متعددة الاستخدامات كالمطابخ والمخازن والحمامات، وتفتح إحدى الغرف على حصن دائري صُمم للرقابة والحراسة.

أما الفناء الثالث فهو الأصغر والأضيق، وتنتشر فيه غرف صغيرة ومستطيلة الشكل، ويصعد منه درج يؤدي إلى الطابق العلوي حيث غرفة المراقبة، وقد شهدت القلعة أعمال ترميم شاملة بدأت في يناير 1989 واستمرت حتى ديسمبر 1993 لتُفتتح رسمياً بعد اكتمالها، محتفظة بأصالتها المعمارية وتاريخها العريق، لتصبح وجهة ثقافية وسياحية يقصدها الزوار للتعرف على ماضي البحرين العسكري والإداري.

تحولت القلعة مع مرور الزمن من حصن دفاعي إلى مقر سكني لعائلة آل خليفة، واحتضنت في بداياتها مصلى صغيراً خُصص للجنود والحراس، ثم انفصل هذا المصلى لاحقاً عن القلعة ليصبح مسجداً قائماً بذاته، عرف اليوم باسم جامع قلعة الرفاع، وقد أعيد بناؤه وتوسعته بأمر من الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة ليبقى جزءاً من الذاكرة الدينية والتاريخية للمدينة.

تجسد قلعة الرفاع اليوم مزيجاً من التراث المعماري والمكانة الوطنية، فهي ليست مجرد جدران حجرية بل سجلّ حيّ لأحداث جسدت روح البحرين وصمودها أمام الزمن، وبقيت رغم التغيرات العمرانية المحيطة بها رمزاً للاستقرار والحكمة التي ميزت حكامها منذ نشأتها حتى الحاضر.

المصدر: كونا

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار