انتصبْ قلعة الأوداية على رأس التل الأيسر عند مصب نهر أبي رقراق بين الرباط وسلا، محاطة بأسوار قوية تقرأ على جنباتها صفحات من تاريخ المغرب، وتشهد القلعة على تعاقب الدول وصراعات الحكام، وتروي قصص مقاومة واستقلالية عبر القرون الماضية.
أنشأ المرابطون القلعة بين 1056 و1147م لمحاربة قبائل بورغواطة الأمازيغية التي أقامت إمارة على الساحل الأطلسي، وعزز الموحدون أهميتها بين 1130 و1269م وجعلوها رباطًا عسكريًا ودينيًا، لتصبح محورًا أساسيًا للمراقبة وحماية الطرق التجارية وربط المراكز الحضرية بالمناطق المحيطة.
استوطن الموريسكيون القلعة بعد طردهم من الأندلس، فأعادوا الحياة إليها بتدعيم الأسوار وإنشاء جمهورية مستقلة، وأضفوا على القلعة الطابع الأندلسي الذي يظهر في الجدران البيضاء والزرقاء والدروب المبلطة والأبواب المزخرفة وحديقتها الغنية بالأشجار النادرة، وأصبحت القلعة رمزًا للاستقلالية الثقافية والسياسية للموريسكيين.
حمل المكان اسم الأوداية رسميًا في عهد السلطان العلوي مولاي عبد الرحمن بين 1822 و1859م، وقد ارتبط الاسم بكتائب عسكرية أقالها السلطان من فاس عام 1833م، وسبق للقلعة أن اشتهرت بتمردها على السلطان زيدان بن أحمد المنصور الذهبي بين 1603 و1627م، ما أبرز قوتها المحلية وقدرتها على التأثير في الأحداث السياسية للمغرب السعدي.
مارس ديوان الجمهورية في الأوداية صلاحيات واسعة في تنفيذ العقوبات باستثناء الإعدام الذي كان بيد السلطان، وأقامت علاقات دبلوماسية مع دول أوروبية مثل إنجلترا وهولندا، ما يعكس قوة القلعة ومكانتها الاستراتيجية، ويظهر أثرها السياسي في تعزيز النفوذ المحلي وربط القلعة بالتحالفات الإقليمية والدولية.
حافظت القلعة على طابعها التاريخي والمعماري رغم التحديات، ويخشى المختصون في الآثار من مشاريع سياحية على ضفتي نهر أبي رقراق قد تمس تراثها، ويطرح السؤال حول استراتيجيات الحفظ التي تضمن حماية الذاكرة الوطنية، وتظل الأوداية شاهدًا حيًا على صمود التاريخ والمعمار والمقاومة عبر العصور.
المصدر: الجزيرة نت