استعاد قصر عيسى الكبير في قلب مدينة المحرق بمملكة البحرين وهجه التاريخي، بعد أن أصبح مجددًا محور اهتمام وطني وثقافي بفضل رؤية ملكية تهدف إلى إحياء التراث البحريني العريق.
شُيّد هذا القصر في القرن التاسع عشر، ليكون شاهدًا على حقبة ذهبية من تاريخ البلاد، ومثالًا فريدًا على العمارة التقليدية الخليجية ذات الطابع الإسلامي، حيث أسسه الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، الذي كان من أبرز حكام البحرين في تلك الفترة، وجعله مقرًا لحكمه وملتقى لكبار القادة والمفكرين والزوار من مختلف أرجاء المنطقة.
يُعرف قصر عيسى الكبير، أو ما يسمى أيضًا بـ “بيت الشيخ عيسى بن علي”، بتفرده المعماري وجمال تكوينه، إذ يتألف من عدد من الباحات والساحات الداخلية، وتحيط به غرف ومجالس ذات طراز تراثي تزدان بزخارف ونقوش إسلامية دقيقة، مع وجود الأبراج الهوائية التقليدية (البادگير) التي كانت تساهم في تلطيف الهواء داخل القصر في غياب وسائل التبريد الحديثة.
وقد احتضن البيت، الذي يتكون من طابقين ومدخلين رئيسيين من جهتي الشمال والشرق، العديد من المجالس التي كانت تُستخدم لاستقبال الضيوف ومناقشة شؤون الحكم والإدارة اليومية.
ولم يكن هذا القصر مجرد مقر سكني للحاكم، بل كان منصة تجمع بين الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية، حيث استقبل الشيخ عيسى بن علي عددًا من الشخصيات البارزة، من بينهم الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، مؤسس المملكة العربية السعودية، والأديب والرحالة أمين الريحاني، والفلكي محمد بن خليفة النبهاني الذي تنبأ خلال إحدى زياراته في عام 1914 بإمكانية وجود النفط في منطقة الصخير، وهو ما تحقق فعليًا بعد نحو عقدين.
يقع القصر في أحد المرتفعات الستة التي تميز جغرافية المحرق القديمة، وكان يمكن رؤيته من البحر لعلو موقعه، الأمر الذي أضفى عليه رمزية استراتيجية وجمالية، إذ كانت تحيط به بيوت الأسرة الحاكمة والعائلات البحرينية الأصيلة التي احترفت الغوص والتجارة والحرف التقليدية، لتتكون بذلك شبكة من “فرجان” المحرق القديمة، التي لا تزال تحفظ أسماءها وأصولها الوطنية الراسخة في الذاكرة الشعبية.
وفي خطوة تؤكد التزام الدولة بالحفاظ على هوية البحرين التاريخية، أعلن الملك حمد بن عيسى آل خليفة، في أكتوبر 2023، خلال افتتاح دور الانعقاد الثاني للمجلس الوطني، عن خطة وطنية لإحياء قصر عيسى الكبير وجعله أحد المقرات الرئيسية للعمل الرسمي، إلى جانب إعادة تأهيل أحياء المحرق القديمة، بما يعزز من عودة سكانها إليها وإحياء طابعها التراثي الأصيل.
ويمتد مشروع تطوير المحرق ليشمل مساحة تُقدر بـ1.4 مليون متر مربع، متضمنًا إنشاء مساحات خضراء تمتد على نحو 12 ألف متر مربع، فضلًا عن ترميم مبانٍ تراثية ذات قيمة معمارية كبيرة، وبناء وحدات جديدة، وإضافة مواقف سيارات متعددة الطوابق، وممرات مشاة، بما يحافظ على البيئة الحضرية القديمة ويعزز من جاذبية المدينة كمركز ثقافي وسياحي.
يُعد قصر عيسى الكبير اليوم رمزًا حيًا لذاكرة البحرين وتاريخها الوطني، ومنارة تُضيء على أصالة العمارة الإسلامية في الخليج، كما يمثل نقطة التقاء بين الماضي والحاضر، وركيزة في مشروع طموح يعيد للهوية البحرينية بريقها، وللمحرق مكانتها كعاصمة ثقافية عريقة في قلب الخليج.
المصدر: هيئة البحرين للثقافة