يشكل قصر الرياس واحداً من أبرز المعالم التاريخية في الجزائر العاصمة، حيث يقع في قلب قصبة الجزائر ويعرف أيضاً باسم قصر رياس البحر أو الحصن 23، وقد شيّد هذا الصرح التاريخي عام 1576 خلال فترة الحكم العثماني على يد الداي رمضان باشا الذي سعى من خلاله إلى تعزيز الدفاعات البحرية للمدينة وحمايتها من أي هجمات محتملة، فبني المجمع ليضم ثلاثة قصور كبيرة وستة بيوت مترابطة تعكس الطابع العمراني المميز لتلك الحقبة.
ارتبط القصر منذ تأسيسه بالدور الدفاعي البارز الذي مثّله في حماية العاصمة، فقد كانت إطلالته المباشرة على البحر الأبيض المتوسط تمنحه مكانة استراتيجية بالغة الأهمية، ومع مرور الزمن وتحديداً خلال فترة الاستعمار الفرنسي تم تدعيمه بالأسوار التي أُضيفت إليه وأطلق عليه اسم الحصن 23، وهو ما زاد من قيمته العسكرية والتاريخية على حد سواء، ليصبح شاهداً على تحولات كبرى مرت بها الجزائر عبر العصور.
حافظ القصر رغم تقادم الزمن على ملامحه المعمارية الأصلية التي تمزج بين الطراز العثماني والتقاليد المحلية، إذ يظهر ذلك في تفاصيل القاعات والأقواس والنوافذ الواسعة والواجهات المطلة على البحر، كما تعكس أجنحته الداخلية مزيجاً فنياً فريداً يظهر البراعة في البناء والتصميم، وهو ما جعله مصدراً غنياً للباحثين والمهتمين بدراسة العمارة الإسلامية والعثمانية في منطقة المغرب العربي.
شهد القصر في العقود الأخيرة عملية ترميم شاملة امتدت بين عامي 1986 و1992، حيث تم العمل على إعادة تأهيل أجزائه وإحياء زخارفه وصيانة مرافقه بما يحافظ على أصالته التاريخية، وقد تُوجت هذه الجهود بإدراجه في عام 1992 ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو كجزء من قصبة الجزائر، وهو ما يعد اعترافاً دولياً بقيمته المعمارية والحضارية وبدوره في إثراء المشهد التاريخي للمدينة.
يمثل قصر الرياس اليوم نقطة جذب ثقافية وسياحية مهمة في العاصمة الجزائرية، حيث يقصده الزوار للتعرف على ماضي المدينة والاطلاع على جانب من تاريخها البحري والعسكري، كما يشكل فضاءً مفتوحاً للأنشطة الثقافية والمعارض التي تسعى إلى إبراز التراث العريق، وبذلك يواصل أداء دوره كموقع يجمع بين الأصالة التاريخية والحضور المعاصر، ويعكس في الوقت ذاته مكانة الجزائر كحاضنة لمواقع مصنفة عالمياً.
المصدر: اليونسكو