الخميس 1447/03/26هـ (18-09-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » الجزائر » مرئي » الآثار » قصبة ملوكة تكشف عراقة التراث التاريخي والثقافي في قلب توات الجزائرية

قصبة ملوكة تكشف عراقة التراث التاريخي والثقافي في قلب توات الجزائرية

تزخر قصبة ملوكة بتاريخ طويل يعكس أصالة المنطقة وإرثها الثقافي الغني، فقد شُيّدت في بداية القرن الحادي عشر الميلادي على يد الأسرة البلبالية التي استقرت في قصر ملوكة ببلدية أولاد أحمد تيمي في ولاية أدرار، لتتحول مع مرور الزمن إلى معلم بارز يجمع بين البعد التاريخي والبعد الحضاري، ويجسد قدرة الإنسان الصحراوي على صناعة فضاء عمراني خالد في بيئة قاسية.

تشكل القصبة نموذجاً حياً للهندسة المعمارية التقليدية في إقليم توات، إذ بُنيت باستخدام الطين ومواد محلية تتناسب مع طبيعة الصحراء، ما منحها قدرة على الصمود أمام تقلبات المناخ، حيث لا تزال جدرانها الطينية المتينة محافظة على رونقها وأصالتها رغم مرور قرون طويلة، وهو ما يعكس براعة السكان في التكيف مع محيطهم.

تحتوي القصبة على خزانة ملوكة، وهي واحدة من الكنوز الثقافية النادرة في المنطقة، إذ تضم مخطوطات ثمينة تعود إلى قرون مضت، تناولت موضوعات متعددة من الفقه والشعر إلى العلوم الطبيعية والفكر الفلسفي، لتعكس بذلك ثراءً علمياً وحضارياً تركته الأسرة البلبالية، وليصبح هذا الإرث جزءاً لا يتجزأ من الهوية الثقافية التي تميز توات.

تكتسب قصبة ملوكة أهمية خاصة بعد إدراجها ضمن القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو، باعتبارها جزءاً من موقع “واحات الفقارات والقصور في العرق الغربي الكبير”، وهو ما يسلط الضوء على قيمتها التاريخية والثقافية، ويجعلها محط أنظار الباحثين والزوار من داخل الجزائر وخارجها، لما تمثله من نافذة على حقبة تاريخية فريدة.

تجذب القصبة اليوم زواراً يسعون لاكتشاف أسرار الصحراء وعمقها التاريخي، حيث توفر لهم تجربة سياحية أصيلة تجمع بين زيارة المعالم الأثرية والتعرف على أسلوب الحياة التقليدية للسكان، كما تساهم في تعزيز الوعي الثقافي لدى الأجيال الجديدة بأهمية الحفاظ على التراث، إلى جانب دورها في دعم الحركة السياحية بالمنطقة.

تواجه القصبة تحديات كبيرة بفعل عوامل التعرية الطبيعية التي تؤثر على جدرانها، مما يستدعي جهوداً متواصلة للحفاظ عليها، وقد شرعت السلطات المحلية في تنفيذ مشاريع ترميم دقيقة تهدف إلى تعزيز متانة الأسوار وصيانة المخطوطات الثمينة، وذلك من أجل ضمان استدامة هذا الإرث وتمكين الأجيال المقبلة من الاستفادة منه.

تظل قصبة ملوكة رمزاً للهوية الثقافية في منطقة توات، فهي ليست مجرد بناء تاريخي، بل تمثل ذاكرة جماعية تختزن قصص الماضي وتوثق مسيرة الإنسان الصحراوي عبر الزمن، ومع استمرار اهتمام الباحثين والزوار بها، تواصل القصبة تعزيز مكانة أدرار على الخارطة الثقافية العالمية، وتؤكد أن الصحراء ليست فراغاً، بل موطناً للثراء التاريخي والحضاري.

المصدر: ويكيبيديا

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار