تنتصب قصبة الكاف كحصن تاريخي مهيب في مدينة الكاف التونسية، عاصمة الولاية، مطلة على سفح “جبال الدير” على ارتفاع 735 متراً مربعاً من سطح البحر، وتُعد هذه القصبة جوهرة معمارية فريدة، تجسد فن العمارة التركية العثمانية، وقد بدأت أسوارها في العلو مع بداية القرن السابع عشر الميلادي، حوالي عام 1600م.
لعب هذا المعلم دوراً محورياً وريادياً في الدفاع عن المدينة وأحوازها عبر مراحل تاريخية متتالية، بدءاً من انتصاب الحكم العثماني سنة 1574م بعد سقوط الدولة الحفصية، واستمر دور القصبة الدفاعي الحيوي خلال الصراعات الحسينية وحتى تاريخ الغزو الفرنسي سنة 1881م، مما يروي مراحل التحول السياسي والعسكري في المنطقة.
تُغطي القصبة مساحة تفوق الألفي متر مربع، وتتميز بمواصفات نموذجية للمعمار العثماني، حيث تفتح ذراعيها على الحدود الجزائرية، وتلقي بظلالها على كل أنحاء المدينة وضواحيها، وتُعتبر شاهداً على تعاقب الحضارات من النوميدية والرومانية والبيزنطية وصولاً إلى الحقبة العربية الإسلامية.

تتكون القصبة من “قلعة كبيرة”، بناها محمد باشا المرادي، وهو ثاني البايات المراديين، ثم تولى علي باشا ترميمها خلال الفترة الفاصلة بين عامي 1735م و 1756م، وقد خصصها حمودة باشا لاحقاً في عام 1807م لاستخدام العسكريين، مما يؤكد وظيفتها الدفاعية الطويلة.
يحتوي هذا المعلم العسكري القديم على مجموعة من الغرف الكبيرة، والتي كان بعضها مخصصاً لتخزين وحفظ الأسلحة، بينما استُخدمت الأخرى كمطابخ وأماكن للمنامة للجنود والحامية، ويُضاف إلى ذلك وجود مدافع حربية كانت تُستخدم في المواجهات العسكرية التي شهدتها القصبة في ما مضى.
تحولت القصبة في العصر الحديث إلى فضاء ثقافي وتراثي، يغوص في أعماق التاريخ والحضارات، ويُستغل لتنظيم تظاهرات ثقافية وفنية وفكرية بناءة، تتماشى مع طبيعته التراثية،وقد أكدت وزيرة الشؤون الثقافية الدكتورة حياة قطاط القرمازي، في زيارة ميدانية حديثة، على ضرورة أن يكون المعلم مثالاً نموذجياً لاستغلال الآثار في الأنشطة الثقافية.
ثَمَّنت الوزيرة جهود كل السلط المحلية والجهوية في المحافظة على نظافة “معلم القصبة” وبنيته التحتية، مشددة على أهمية دوره في إثراء المشهد الثقافي،وتُعد هذه الجهود جزءاً من رؤية أوسع للحفاظ على التراث واستغلاله التنموي.
تتمظهر عراقة مدينة الكاف، التي كانت تُعرف باسم “سيكا فينيزيا” في الحقبة الرومانية نسبة إلى “فينوس” آلهة الحب والجمال، في ثراء مخزونها التراثي المادي وغير المادي،كما أن موقعها الاستراتيجي فوق جبال الدير جعلها حصناً عسكرياً منيعاً لهذه الربوع على مدى عقود من الزمن.
المصدر: ويكيبيديا