يُعدّ فن القط العسيري إحدى أروع الفنون النسائية التقليدية في المملكة العربية السعودية، حيث يُستخدم لزخرفة الجدران الداخلية للمنازل، وتحديدًا غرف الضيوف، وقد اشتهرت به النساء في منطقة عسير منذ القدم، فكنّ يُحوّلن الجدران البيضاء إلى لوحات فنية، تُعبّر عن إبداعهن، وذوقهن الرفيع، وتُضفي على المكان جمالًا، وروحانية.
كان هذا الفن في الماضي يُمارس حصرًا من قبل النساء، اللاتي كنّ يتناقلن أسراره، ومهاراته، من جيل إلى جيل، عبر الملاحظة، والممارسة، أما اليوم، فقد أصبح يُمارس من قبل فنانين، ومصممين، ومهندسين، من الرجال والنساء، مما يُؤكد على أن الفن لا يعرف جنسًا، ولا حدودًا، بل هو تعبير عن الإبداع الإنساني، والتطلع إلى الجمال.
يعزّز فن القط العسيري الترابط الاجتماعي، والتضامن بين النساء في المجتمع، حيث كنّ يجتمعن للعمل على زخرفة منزل ما، في جو من التعاون، والمحبة، وهذا يُسهم في تبادل الخبرات، والمعرفة، ونقل المهارات الفنية، المرتبطة بهذا الفن، ويُحافظ على استمراريته، وبقائه حيًا في ذاكرة الأجيال القادمة.
تُستخدم في فن القط العسيري ألوان طبيعية، مستخرجة من البيئة المحيطة، مثل الألوان المستخلصة من النباتات، والأعشاب، والتربة، وهذا يُضفي على الأعمال الفنية طابعًا أصيلًا، وفريدًا من نوعه، كما تُستخدم أشكال هندسية، وخطوط متناسقة، تُعبّر عن فلسفة معمارية، وفنية، متقدمة، كانت سائدة في المنطقة.
بفضل أهميته الفنية، والثقافية، تمّ إدراج فن القط العسيري في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي في عام 2017، وهذا الاعتراف الدولي يُؤكد على قيمة هذا الفن، وضرورة الحفاظ عليه، وصيانته، ليبقى رمزًا حيًا لروح الإبداع، والتراث السعودي الغني، ويُشجع على دعم الفنانين، والحرفيين، وتوفير كل السبل اللازمة لهم، لاستمرارية هذا الفن العريق.
فن القط العسيري ليس مجرد زخرفة، بل هو قصة، وحكاية، وتاريخ، فهو يُجسّد روح التعاون، والتضامن، والإبداع، فكل رسمة، وكل خط، وكل لون، له معنى عميق، ويُعبّر عن ثقافة، وهوية، وروح، وهذا يجعل مشاهدة هذا الفن تجربة لا تُنسى، وتُشبع الروح بالجمال، والفخر، والإعجاب.
المصدر: بي بي سي عربية
