الجمعة 1447/02/28هـ (22-08-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » تونس » مرئي » المعالم التاريخية » فسقية الأغالبة تجسد عبقرية النظم المائية في العصر الإسلامي

فسقية الأغالبة تجسد عبقرية النظم المائية في العصر الإسلامي

بُنيت فسقية الأغالبة خارج أسوار مدينة القيروان التاريخية خلال النصف الثاني من القرن التاسع الميلادي، وقد أنشأها حكام الدولة الأغلبية بهدف تزويد المدينة بالمياه، فشكلت بذلك نموذجًا متقدمًا لنظام مائي فريد في التاريخ الإسلامي.

مثلت الفسقية جزءًا أساسيًا من البنية التحتية لقيروان تلك الحقبة، حيث قامت بجمع مياه الأمطار وتخزينها في خزانات ضخمة، كما اعتمدت في تغذيتها على شبكة قنوات نقل المياه الممتدة من الينابيع البعيدة، مما وفر للمدينة إمدادًا مستقرًا في زمن الجفاف.

تتألف الفسقية من حوضين رئيسيين، أحدهما دائري ضخم والآخر صغير، محاطين بسور حجري وتدعيمات هندسية متقنة، وقد بنيت باستخدام تقنيات متقدمة تراعي توزيع الضغط وتقلل من فقدان المياه، وهو ما أتاح لها الصمود قرونًا طويلة دون انهيار.

الفسقية القيروانية».. خبراء يكشفون تفاصيل أقدم تكنولوجيا لتجميع المياه في تونس (خاص)

عكست الفسقية رؤية استراتيجية للأغالبة في تنظيم شؤون الري وتخزين المياه، إذ ساهمت في ري البساتين وتوفير مياه الشرب للمدينة وسكانها وزوارها، وقد استخدمت في بعض المراحل لسقي الحيوانات وتنظيف المرافق العامة في القيروان.

أصبحت الفسقية لاحقًا رمزًا للهندسة المائية الإسلامية، ويزورها سنويًا عدد كبير من الباحثين والمهندسين المهتمين بتاريخ الري في الحضارة الإسلامية، كما تجتذب السياح المهتمين بالمعالم الأثرية التي توثق لأنماط العيش والتخطيط المدني في القرون الوسطى.

صنفت الفسقية في عام 1988 كجزء من التراث العالمي المسجل باسم مدينة القيروان، وذلك ضمن تقييم اليونسكو الذي اعتبرها عنصرًا أصيلًا في ملامح التخطيط الحضري للمدينة، ودليلاً ماديًا على تطور تقنيات إدارة المياه في العصور الإسلامية المبكرة.

تعمل السلطات التونسية حاليًا على صيانة الفسقية وحمايتها من التآكل والتلوث، وتنفذ دورات توعية محلية للحفاظ على نظافة الموقع، إضافة إلى تسهيل زيارات الوفود الأكاديمية والسياحية لتعزيز الوعي بقيمته التاريخية والوظيفية.

تواصل فسقية الأغالبة إثبات مكانتها كأحد أبرز النماذج الهندسية التي عرفها التاريخ الإسلامي، حيث تجمع بين الوظيفة التقنية والبصمة الحضارية، وتروي قصة مجتمع اعتمد على الابتكار لضمان البقاء والازدهار في مناخ جاف محدود الموارد.

المصدر: ويكيبيديا

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار