تحافظ مصر على إرث طويل في صناعة الحلي والخرز، وهي حرفة تمتد جذورها إلى ما قبل التاريخ حين استخدم المصريون الأوائل مواد طبيعية بسيطة لصنع الزينة الشخصية، ثم تطورت مع تقدم الحضارة لتصبح إحدى أبرز الصناعات التي تعكس الذوق المصري القديم وقدرته على الابتكار الفني، واستمرت هذه الحرفة في الازدهار حتى اليوم عبر الجمع بين المهارة التقليدية والتقنيات الحديثة في مناطق متعددة من البلاد، خاصة في أسوان التي أصبحت مركزًا رئيسيًا لفن تشكيل الخرز.
بدأ المصريون القدماء بصناعة الحلي باستخدام الحجارة البركانية والعاج وعظام الحيوانات والأخشاب والأصداف البحرية، فكانت أدوات الزينة آنذاك تحمل رموزًا دينية واجتماعية تدل على المكانة والهوية، ومع مرور الزمن بدأ استخدام المعادن الثمينة مثل الذهب والفضة والنحاس منذ بدايات عصر الأسرات الأولى، حتى وصلت الصناعة إلى ذروتها في الدولة الحديثة حيث استخدمت تقنيات دقيقة في الصب والتطعيم بالأحجار الكريمة وشبه الكريمة، وهو ما يظهر بوضوح في مقتنيات المقابر الملكية التي كشفت عن دقة الصنعة وجمال التصميم.

اعتمد الصنّاع القدماء على أدوات بدائية لكنها متقنة مثل المطارق والمناشير والمثاقب وقوالب التشكيل التي كانت تتيح لهم تنفيذ تصاميم معقدة، وبرز دور الأقزام في هذه الحرفة بفضل قدرتهم الفائقة على إنجاز الأعمال الدقيقة بأنامل صغيرة وخبرة متوارثة، بينما تنوعت أشكال الحلي بين القلائد العريضة والأساور والخواتم والخلاخيل والصدريات المزخرفة، مما جعلها جزءًا من الثقافة اليومية والطقوس الدينية والجنائزية في المجتمع المصري القديم.
تواصل هذه الحرفة اليوم حضورها القوي في المشهد الثقافي والاقتصادي، حيث تسعى مبادرات مختلفة إلى إحياء التراث وتطويره بما يتناسب مع احتياجات العصر، ويبرز مشروع “حُلي أسوان” نموذجًا لذلك إذ يعمل على إحياء فن تشكيل الخرز باستخدام تقنيات تقليدية مدعومة بأساليب تصميم حديثة، بدعم من مؤسسة ساويرس للتنمية الاجتماعية وبنك الإسكندرية وتحت إشراف مصممة الحلي عزة فهمي التي أسهمت في تدريب جيل جديد من الحرفيين القادرين على الجمع بين الأصالة والابتكار.
تمثل صناعة الحلي اليوم أحد أعمدة الحرف اليدوية المصرية التي تعكس الهوية الثقافية للبلاد، إذ تعرض منتجاتها في معارض وطنية كبرى مثل معرض “ديارنا” الذي يساهم في تسويق الحرف اليدوية داخليًا وخارجيًا، وتُظهر تلك المعارض كيف تمكنت الصناعة من الحفاظ على تراثها التاريخي مع إدخال لمسات عصرية في التصميم والتصنيع، ما جعل الحلي المصرية سلعة فنية وسياحية ذات قيمة عالية في الأسواق العالمية.
تستمر مصر بذلك في صون تراثها الحرفي الذي يربط الماضي بالحاضر، وتؤكد أن صناعة الحلي ليست مجرد مهنة تقليدية، بل جزء من هويتها الثقافية الممتدة منذ آلاف السنين، تعبر عن مهارة الإنسان المصري وقدرته على تحويل المواد البسيطة إلى فن خالد.
المصدر: ويكيبيديا