تنتصب قرية شنني الأثرية، شامخة على قمة تل مرتفع في ولاية تطاوين جنوب تونس، وتُمثل نموذجاً فريداً للهندسة المعمارية الدفاعية، إذ تعود أقدم مبانيها إلى القرن الثاني عشر الميلادي،وقد أنشأ هذه القرية مجتمعات البربر (الأمازيغ) والعرب المختلطة التي استوطنت المنطقة الجبلية.
بُنيت القرية على ثلاثة مستويات متدرجة، وتوجت في أعلاها بقصر شنني الشهير، وهو مخزن محصن ضخم كان الهدف الأساسي من إنشائه هو صد هجمات القبائل البدوية وحماية ممتلكات السكان،ويعتبر هذا القصر مثالاً بارزاً لفن العمارة العسكرية المحلية.
يتألف قصر شنني من عدة غرف صغيرة متراصة، كانت تُستخدم لتخزين المحاصيل الزراعية مثل الحبوب والزيت والتوابل وغيرها من المواد الغذائية الثمينة،ويُظهر هذا الترتيب مدى اعتماد السكان على التخزين الجماعي كجزء من استراتيجيتهم الدفاعية والاقتصادية.
يستمر القرويون الذين يعيشون في الوادي القريب من القرية في استخدام بعض مباني هذا القصر كمخازن للحبوب حتى يومنا هذا، مما يؤكد على استمرارية الوظيفة الحيوية للموقع على مر القرون،وقد تحولت هذه القلعة بمرور الزمن إلى رمز لهوية وتاريخ المنطقة.

تُعد هذه القرية الأثرية جزءاً لا يتجزأ من الإرث الحضاري لجنوب تونس، حيث تندرج ضمن “مساكن الكهوف وعالم القصور”، وهو الموقع المدرج في القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو،ويُشكل هذا التصنيف اعترافاً بأهميتها الثقافية والمعمارية على مستوى العالم.
توضح بقايا القصر المهدمة وبعض المباني السليمة براعة السكان المحليين في التكيف مع البيئة الجبلية القاسية، حيث استغلوا التضاريس لإنشاء تحصينات طبيعية يصعب اختراقها،وقد اعتمدوا على مواد البناء المتوفرة، مما جعل مبانيهم متناغمة مع محيطها الطبيعي.
شهدت القرية على مدى تاريخها الطويل صراعات متعددة، لكنها نجحت في الحفاظ على بنيتها المعمارية الأساسية وروحها الأمازيغية، لتبقى شاهداً على المقاومة والصمود،ويُسهم وجود القصر المحصن في توفير رؤية واضحة حول الحياة الاجتماعية والاقتصادية في جنوب تونس في القرون الوسطى.
تُشجع زيارة قمة تل شنني السائحين والباحثين على استكشاف تفاصيل الحياة القديمة، والتعرف على طرق التخزين التقليدية، فضلاً عن الاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة لولاية تطاوين الجبلية،ويُضاف إلى ذلك القيمة الرمزية للقرية التي تروي قصص التعايش بين المكونات الثقافية المختلفة في المنطقة.
تتطلب حماية مثل هذه المواقع جهوداً مستمرة للحفاظ على سلامة مبانيها، خاصة تلك التي ما زالت مستخدمة من قبل السكان المحليين، لضمان انتقال هذا الإرث الفريد للأجيال القادمة،وتُسلط القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو الضوء على ضرورة دعم هذه الجهود محلياً ودولياً.
المصدر: ويكيبيديا