يعد دير الأنبا بيشوي في وادي النطرون بمحافظة البحيرة من أقدم وأهم الأديرة القبطية الأرثوذكسية في مصر، إذ تأسس في القرن الرابع الميلادي على يد القديس الأنبا بيشوي الذي ترك بصمة روحية بارزة في تاريخ الكنيسة المصرية.
ويحتوي الدير على خمس كنائس أثرية ما زالت قائمة وتستخدم حتى اليوم لإقامة الصلوات والاحتفالات الدينية، كما يضم الدير مباني ومرافق متنوعة تعكس الطابع الرهباني الأصيل.
يمتاز الدير بسوره التاريخي الذي شُيد في القرن الخامس الميلادي لحمايته من هجمات البربر، وقد لعب هذا السور دوراً محورياً في الحفاظ على استمرارية الحياة الرهبانية داخله خلال فترات الاضطرابات، مما جعله شاهداً على حقبة طويلة من التاريخ الديني والاجتماعي، ويعتبر هذا السور اليوم جزءاً من التراث المعماري الذي يجذب الزوار والباحثين المهتمين بدراسة نشأة العمارة الدفاعية المرتبطة بالمؤسسات الدينية.
يشكل دير الأنبا بيشوي مركزاً مهماً للحياة الروحية للرهبان والزوار على حد سواء، حيث يتوافد عليه الكثير من الأقباط لأداء الصلوات والتبرك بالمكان الذي ارتبط بالقديس، كما يحتفظ الدير بمخطوطات وأيقونات نادرة تمثل قيمة دينية وفنية عالية، وهو ما يبرز دوره ليس فقط كدار للعبادة وإنما أيضاً كمخزن للذاكرة التراثية والثقافية للكنيسة القبطية.
تسهم الطبيعة المحيطة بالدير في وادي النطرون في منحه مكانة خاصة، إذ يعتبر الوادي موطناً لعدد من الأديرة القديمة التي أسهمت في تكوين أحد أعرق المجتمعات الرهبانية في العالم المسيحي، ويُنظر إلى دير الأنبا بيشوي كأحد العناصر الأساسية في هذا النسيج التاريخي، حيث يعكس استمرارية الممارسات الدينية عبر قرون طويلة ويجسد التفاعل بين الروحانية والبيئة الصحراوية.
أدرج الدير ضمن مكونات القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو تحت عنوان “أديرة الصحراء العربية ووادي النطرون”، وذلك في إطار الجهود الرامية لحماية التراث الديني والمعماري المميز للمنطقة، ويعد هذا الإدراج اعترافاً دولياً بأهمية المكان وقيمته الحضارية، كما يفتح الباب أمام مبادرات مستقبلية لتوثيقه وصيانته وتقديمه بصورة أوسع للسياحة الثقافية والدينية.
يحافظ دير الأنبا بيشوي على دوره الفاعل حتى اليوم، فهو مكان للعبادة والدراسة والبحث في آن واحد، ويستمر في جذب الزوار من مصر وخارجها، مما يجعله واحداً من المعالم الدينية والسياحية التي تبرز التنوع الثقافي المصري، كما يشكل مثالاً حياً على قدرة التراث الديني على البقاء والتجدد، ليظل شاهدًا على تاريخ ممتد منذ أكثر من ستة عشر قرناً.
المصدر: القاهرة 24