تقع مدينة دورا أوروبوس الأثرية على الضفة الغربية لنهر الفرات في محافظة دير الزور السورية، وتعرف أيضاً باسم الصالحية، وقد أسسها السلوقيون عام 303 قبل الميلاد، ثم أصبحت مسرحاً لتتابع الحضارات والسيطرة عليها بسبب موقعها الاستراتيجي الذي جعلها نقطة حيوية على طرق القوافل البرية والنهرية، وعلى حدود الإمبراطوريات الرومانية والساسانية، مما منحها أهمية تاريخية وثقافية بارزة.
شهدت المدينة مزيجاً حضارياً فريداً جمع بين الثقافة اليونانية والرومانية والبارثية، وانعكس هذا التنوع في الفنون والعمارة التي ما زالت آثارها قائمة حتى اليوم، كما اشتهرت بوجود معابد يهودية ومسيحية إضافة إلى بقايا أسوارها وأبراجها الدفاعية، ويعد كنيسها اليهودي من أبرز معالمها إذ يضم أقدم اللوحات الفنية المكتشفة في أي كنيس يهودي، كما اكتشفت فيها أقدم كنيسة منزلية معروفة في العالم والتي تعود للقرن الثالث الميلادي.
احتلت دورا أوروبوس مكانة خاصة في التاريخ بفضل ما تحتويه من كنوز أثرية، فقد تميزت معابدها بتنوعها حيث شملت معابد للإله بل والإله زيوس، إلى جانب المعابد اليهودية والمسيحية، كما بقيت أسوارها المنيعة شاهدة على براعة التحصينات المعمارية في تلك الحقبة، وقد ساعد الموقع الجغرافي المحاط بحواجز طبيعية على حماية المدينة لفترات طويلة.
لم تخلُ مسيرة المدينة من أحداث مأساوية، فقد تعرضت لحصار ساساني عام 256 ميلادية أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة منها، ثم اندثرت تدريجياً قبل أن تعيد الاكتشافات الأثرية إحياء اسمها، وفي العصر الحديث نالت عام 2010 جائزة كارلو سكاريا الدولية للمنتزهات الأثرية تقديراً لأهميتها الاستثنائية، إلا أنها تعرضت خلال الحرب الأهلية السورية لأضرار جسيمة نتيجة النهب والتدمير على يد تنظيم داعش.
اليوم، تدرج دورا أوروبوس ضمن القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو كموقع ذي قيمة ثقافية وتاريخية عالمية، ويواصل علماء الآثار جهودهم في دراسة وحماية ما تبقى من معالمها، في محاولة للحفاظ على هذا الإرث الذي يوثق مراحل مهمة من تاريخ المنطقة ويكشف عن التفاعل الحضاري الذي ميزها على مر العصور.
المصدر: ويكيبيديا
