بدأت جبانة البجوات في واحة الخارجة بمحافظة الوادي الجديد بجذب اهتمام الباحثين وعلماء الآثار نظرًا لقيمتها التاريخية والدينية، إذ تعتبر واحدة من أقدم المقابر المسيحية في العالم القديم، وقد استُخدمت منذ القرن الثالث وحتى القرن السابع الميلادي، ويشير المؤرخون إلى أنها من المواقع النادرة التي ما زالت محتفظة بجزء كبير من ملامحها المعمارية ورسوماتها رغم مرور قرون طويلة، وهو ما جعلها تحظى بأهمية خاصة على الصعيدين المحلي والدولي.
أدرجت الجبانة ضمن القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو باعتبارها جزءًا من موقع “واحة الخارجة والواحات الجنوبية الصغيرة”، وقد مثل هذا الإدراج اعترافًا دوليًا بالقيمة الحضارية للمنطقة، حيث يرى الخبراء أن الحفاظ على هذا الموقع سيعزز من فرص تسجيله مستقبلًا على القائمة الدائمة للتراث العالمي، الأمر الذي يمنحه حماية أكبر واهتمامًا أوسع من جانب المؤسسات المتخصصة.
تضم جبانة البجوات عشرات المقابر المبنية على طراز فريد يجمع بين البساطة والفن المعماري المميز، فهي تتنوع بين حجرات صغيرة مخصصة للأفراد وأخرى كبيرة للعائلات، ويعلو كثيرًا منها قباب عرفت محليًا بالقبوات، ومن هنا جاءت تسمية الموقع، كما تميزت الجبانة بالرسومات الجدارية التي تصور مشاهد من العهدين القديم والجديد مثل قصة الخروج من مصر، وحكاية آدم وحواء، وفلك نوح، وهي رسومات نفذت بألوان لا تزال واضحة إلى اليوم رغم تعرضها لعوامل التعرية.
احتوت بعض الجدران على كتابات باللغات القبطية والعربية والتركية، فضلًا عن مخربشات تركها الزوار الذين مروا بالمكان على مدى قرون طويلة، مما يعكس التفاعل البشري المستمر مع الموقع، كما ضمت الجبانة مزارات بارزة مثل مزار الخروج ومزار السلام اللذين يتميزان بزخارف دينية غنية بالرموز والمعاني، وهو ما جعل منهما محط أنظار الباحثين والمهتمين بدراسة الفنون المسيحية المبكرة.
أثبتت الدراسات الأثرية أن الجبانة استمرت في الاستخدام حتى القرن الحادي عشر الميلادي، وهو ما يؤكد استمرار قيمتها الدينية والاجتماعية في تلك الحقبة، كما أن قربها من معبد هيبس بوسط مدينة الخارجة أضاف إليها بعدًا تاريخيًا آخر جعلها جزءًا من شبكة متكاملة من المواقع الأثرية بالمنطقة، ومع ذلك فإن بعض مقابرها تعرضت للتلف والانهيار نتيجة العوامل الطبيعية ما يستدعي تنفيذ مشروعات ترميم عاجلة للحفاظ على ما تبقى من تفاصيلها.
ترى الجهات المختصة أن إدراج جبانة البجوات ضمن القائمة المؤقتة لليونسكو خطوة مهمة نحو تطويرها كوجهة سياحية وثقافية، حيث يمكن أن تسهم في تنشيط الحركة السياحية بالوادي الجديد، وتوفير فرص عمل مرتبطة بالتراث، وتعزيز الوعي بقيمة التاريخ المسيحي المبكر في مصر، وبذلك تبقى الجبانة شاهدًا حيًا على مرحلة مهمة من تاريخ المنطقة، وجسرًا يصل بين الماضي والحاضر.
المصدر: ويكيبيديا