الأربعاء 1447/03/11هـ (03-09-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » الجزائر » مرئي » المعالم التاريخية » جامع كتشاوة شاهد تاريخي على تحولات وهوية العاصمة الجزائرية

جامع كتشاوة شاهد تاريخي على تحولات وهوية العاصمة الجزائرية

يكشف جامع كتشاوة في قلب العاصمة الجزائرية عن صفحات حافلة من التاريخ الممتد منذ أربعة قرون، إذ شيد في عام 1612 م خلال الحقبة العثمانية ليكون منارة دينية ومعمارية، ثم توسع على يد الباي حسن عام 1792 م بما عزز مكانته في النسيج العمراني للمدينة، وظل طوال هذه الفترة شاهداً على ازدهار الحياة الدينية والثقافية في الجزائر، حيث تميز بطراز معماري يمزج بين الفنون الإسلامية والعثمانية بشكل متقن، كما ارتبط اسمه بأحداث وتحولات سياسية كبرى عاشتها البلاد.

ملف:جامع كتشاوة.JPG - ويكيبيديا

شهد المسجد تحولا جذرياً خلال فترة الاحتلال الفرنسي، إذ جرى تحويله عام 1832 م إلى كاتدرائية القديس فيليب، وهو قرار عكس طبيعة السياسات الاستعمارية التي سعت لطمس الهوية الثقافية والدينية، وظلت الكاتدرائية قائمة حتى استقلال الجزائر عام 1962 م، حين استعاد الشعب الجزائري هذا المعلم وأعاده إلى وظيفته الأصلية كمسجد جامع، ليصبح رمزاً لاستعادة الهوية الوطنية، ومعلماً روحياً يقصده المصلون والزائرون من مختلف أنحاء البلاد وخارجها.

يحافظ جامع كتشاوة على رونقه المعماري حتى اليوم، حيث تتميز واجهته بزخارف حجرية دقيقة، وأعمدته الضخمة وأقواسه البارزة التي تعكس مهارة الحرفيين العثمانيين، فيما تعكس مآذنه الشامخة ارتباطه العميق بفنون العمارة الإسلامية، وتبقى قاعة الصلاة الرئيسية محاطة بأجواء روحانية خاصة بفضل الضوء الطبيعي الذي يتسلل من نوافذ مزخرفة بإتقان، ما يضفي على المكان إحساساً بالعراقة والسكينة في آن واحد.

مسجد كتشاوة - الجزائر

أدرج المسجد عام 1992 م ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو باعتباره جزءاً من قصبة الجزائر، وهي المنطقة التاريخية التي تضم مزيجاً من المباني والأسواق والممرات الضيقة التي تشكل قلب المدينة القديم، ويعكس هذا التصنيف تقديراً دولياً لأهمية الموقع وقيمته الحضارية، كما ساهم في تعزيز جهود الحفظ والترميم التي تقوم بها السلطات الجزائرية بالتعاون مع منظمات دولية للحفاظ على أصالة المسجد ومحيطه التاريخي.

يشكل جامع كتشاوة اليوم محطة رئيسية في مسار السياحة الثقافية بالجزائر، حيث يجذب الباحثين في التاريخ والمعمار، إضافة إلى المهتمين بالتراث الإسلامي، ويعتبره كثيرون شاهداً حياً على التداخل بين الثقافات والأديان عبر العصور، وهو ما يمنحه بعداً إنسانياً يتجاوز حدود الجزائر، ليعكس حكاية مدينة قاومت التغيير القسري وحافظت على روحها، وبذلك يبقى جامع كتشاوة رمزاً للصمود والهوية، وركناً ثابتاً في الذاكرة الوطنية الجزائرية.

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار