يشكل جامع الكتبية في مدينة مراكش أحد أبرز المعالم التاريخية والدينية في المغرب، إذ يعد أكبر مسجد في المدينة وأكثرها رمزية، وقد ارتبط اسمه بتاريخ الدولة الموحدية التي شيدت صروحاً معمارية ما زالت قائمة حتى اليوم، حيث بُني المسجد للمرة الأولى عام 1147 ميلادية في عهد الخليفة الموحدي عبد المؤمن، قبل أن يعاد بناؤه بشكل كامل عام 1158، ليصبح مركزاً دينياً وعمرانياً بارزاً يعكس قوة الحقبة الموحدية.
المسجد يتميز بمئذنته الشهيرة التي اكتمل بناؤها عام 1195 في عهد الخليفة يعقوب المنصور، وهي مئذنة بارتفاع لافت بلغت نحو 77 متراً، وتعد من أروع الأمثلة على العمارة الإسلامية في المغرب والأندلس، حيث استلهمت منها مآذن أخرى لاحقاً مثل خيرالدا في إشبيلية بإسبانيا وبرج الحسان في الرباط، مما جعلها نموذجاً معمارياً مؤثراً في الفنون الإسلامية.
تصميم الجامع اعتمد على الأسلوب المعماري الموحدي الذي يجمع بين البساطة والجمالية، إذ يضم قاعة صلاة واسعة مقسمة إلى 17 جناحاً، إضافة إلى أعمدة وزخارف هندسية تبرز براعة الحرفيين الذين عملوا على إنشائه، كما يتسع المسجد لآلاف المصلين، ما جعله مركزاً رئيسياً للحياة الدينية في مراكش منذ قرون وحتى اليوم.
في عام 1985 أدرجت منظمة اليونسكو جامع الكتبية ضمن قائمة التراث العالمي، باعتباره جزءاً من المدينة التاريخية لمراكش، وهو ما يعكس قيمته المعمارية والتاريخية، حيث يعد المسجد شاهداً على التقاء التأثيرات الأندلسية والمغربية في العمارة الإسلامية، إضافة إلى كونه معلماً دينياً استمر في أداء دوره على مر العصور.
المسجد لا يمثل فقط مبنى دينياً، بل أيضاً رمزاً عمرانياً يميز هوية مراكش التي تُعرف بلقب “المدينة الحمراء”، إذ تقع منارته وسط المدينة القديمة، لتكون عنصراً بارزاً في المشهد الحضري، وجزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية للسكان والزوار، كما ارتبطت المئذنة في الذاكرة الشعبية بكونها علامة يستدل بها المسافرون منذ قرون.
السلطات المغربية تولي اهتماماً متزايداً بصيانة جامع الكتبية، حيث أطلقت برامج لترميم جدرانه وصون زخارفه وإعادة تأهيل محيطه بما يليق بمكانته التاريخية، كما يسهم المسجد في تعزيز الحركة السياحية بمراكش، إذ يقصده آلاف السياح سنوياً للتعرف على تاريخه ومعماره، ما يجعله جسراً ثقافياً يربط بين الماضي والحاضر.
جامع الكتبية يظل معلماً بارزاً في مسيرة مراكش التاريخية، وواحداً من أهم شواهد العمارة الإسلامية التي حفظت مكانتها عبر الزمن، وهو بذلك يجسد مزيجاً من الإبداع المعماري والرمزية الدينية، ويؤكد الدور الذي لعبته مراكش كعاصمة ثقافية وسياسية في تاريخ المغرب.
المصدر: اليونسكو