تمثل تلال دلمون في البحرين أحد أبرز الشواهد الأثرية التي تسلط الضوء على عمق التاريخ الإنساني في منطقة الخليج، بعد أن جرى إدراجها رسميًا ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي منذ عام 2019، اعترافًا بقيمتها التاريخية والإنسانية، فهي ليست مجرد تلال ترابية بل مدافن جماعية تُنسب إلى حضارة دلمون التي ازدهرت في الألفية الثانية قبل الميلاد، وكانت تشكّل حينها نقطة ارتكاز تجاري وثقافي في الخليج العربي.
تمتد هذه التلال الأثرية على نحو 21 موقعًا في غرب جزيرة البحرين، وتضم نحو 11774 تلة دفن، وهي تلال بنيت بأسلوب معماري يُظهر تطور تقاليد الدفن في تلك المرحلة، كما أن أعدادها الهائلة وكثافة توزيعها توحي بوجود نظام اجتماعي دقيق وهيكل طبقي واضح بين الأفراد المدفونين، حيث تُظهر الفروق بين التلال الصغيرة والعادية وبين التلال الملكية التي يبلغ عددها 17 فقط، والتي تم بناؤها على هيئة أبراج دفن من طابقين، بما يشير إلى مكانة أصحابها في التسلسل الهرمي لحضارة دلمون.
تتكون معظم هذه التلال من هياكل دائرية الشكل، منخفضة نسبيًا، وبعضها يحتوي على غرف داخلية تحوي تجاويف دفن مصممة بطريقة فنية دقيقة، ما يعكس قدرة تقنية ومعمارية متقدمة بالنظر إلى الفترة الزمنية التي تعود إليها، وقد بُنيت باستخدام المواد المحلية، وهي في الغالب مزيج من الحجارة والطين، حيث تم اختيار مواقعها بعناية في مناطق مرتفعة من سطح الأرض لضمان حفظها أطول فترة ممكنة.
تدل هذه التلال على طبيعة المعتقدات الجنائزية التي سادت في حضارة دلمون، كما توضح من خلال تصميم المدافن وأشكالها وتوزيعها أن المجتمع آنذاك لم يكن عشوائيًا، بل عرف نظامًا دينيًا واجتماعيًا متماسكًا.
وتكشف المواد التي عُثر عليها داخل بعض التلال مثل الأواني الفخارية والأسلحة والمجوهرات عن وجود تفاعل ثقافي مع حضارات أخرى في المنطقة، مما يعزز الاعتقاد بأن دلمون كانت مركزًا تجاريًا رئيسيًا بين حضارات وادي الرافدين والسند.
تمنح تلال دلمون الباحثين والمختصين نافذة حقيقية لدراسة البنية الاجتماعية والدينية والاقتصادية التي كانت قائمة قبل آلاف السنين، وهي اليوم ليست فقط موقعًا أثريًا بل مرآة حقيقية لفهم بدايات الاستيطان البشري في الجزيرة العربية، وتعد من أوسع المقابر الجماعية المعروفة في التاريخ القديم، ما يجعلها واحدة من أهم المواقع التي توثق الجانب الجنائزي لحضارات الشرق الأدنى القديم.
المصدر: سكاي نيوز عربية