يقع موقع تدمر الأثري في وسط الصحراء السورية على مسافة تقترب من 215 كيلومتراً شمال شرق العاصمة دمشق ، ويعد من أبرز المواقع التاريخية التي جسّدت التقاء الحضارات وتنوّع الثقافات في الشرق القديم ، إذ كانت المدينة نقطة التقاء حيوية بين طرق التجارة التي ربطت بين الشرق والغرب عبر قرون طويلة.
شهدت المدينة ازدهاراً استثنائياً في العصور الرومانية واليونانية ، وامتزج فيها التأثير الآسيوي مع الطابع الغربي في معمارها ومبانيها العامة ، حيث لا تزال آثار مثل شارع الأعمدة والمسرح الروماني ومعبد بعلشمين شاهدة على ذلك الثراء الحضاري ، وقد أدرجت منظمة اليونسكو موقع تدمر على قائمة التراث العالمي في عام 1980 ، ما عزز من أهميته الثقافية والتاريخية على المستوى العالمي.
تميّزت تدمر بموقعها الجغرافي المحوري في واحة صحراوية وسط البادية السورية ، وهو ما جعلها مركزاً تجارياً مهماً في العصور القديمة ، حيث كانت تستقبل القوافل التجارية التي تعبر من الهند وفارس باتجاه البحر الأبيض المتوسط ، ووفدت إليها أفكار وثقافات من مختلف مناطق العالم القديم ، مما جعلها بوتقة انصهرت فيها مؤثرات معمارية ودينية متعددة.
يشكّل شارع الأعمدة العمود الفقري للموقع الأثري بطوله الممتد وموقعه المركزي ، بينما يبرز المسرح الروماني كأحد أهم المعالم التي تعود للقرن الثاني الميلادي ، ويُعدّ معبد بعلشمين من أبرز الرموز الدينية التي تدل على الطقوس الوثنية التي سادت في المدينة ، إلى جانب قوس النصر الذي كان يمثل بوابة العبور الرئيسية إلى المدينة ، فيما تطل قلعة فخر الدين المعني على الموقع من الأعلى ، وتشكل وادي القبور الجزء الجنائزي البارز في البنية العمرانية لتدمر.
مثّلت المدينة القديمة أيضاً وجهة رئيسية للسياحة الثقافية قبل اندلاع الحرب ، إذ استقطبت آلاف الزوار سنوياً ممن جاؤوا لمشاهدة تلك الآثار الممتدة في عمق الزمن ، كما كان متحف تدمر يضم مجموعة كبيرة من التماثيل والنقوش التي تعكس مستوى الفن التدمري في العصور المختلفة.
لكن مع اندلاع الصراع في سوريا ، تعرّض الموقع لأضرار كارثية ، إذ تم تدمير العديد من المعالم الأثرية على يد تنظيم داعش خلال فترة سيطرته على المنطقة ، ما أدى إلى فقدان أجزاء كبيرة من التراث الثقافي السوري ، وقد دفعت تلك الاعتداءات اليونسكو إلى إدراج تدمر في قائمة مواقع التراث العالمي المهددة بالخطر ، وهو ما سلّط الضوء على الحاجة إلى حماية هذا الموقع والعمل على ترميم ما تبقى منه.
تعكس تدمر واحدة من أبرز صور الحضارة السورية في التاريخ الإنساني ، وتجسّد قيمة ثقافية لا تقدّر بثمن ، ويظل مستقبلها مرهوناً بجهود حقيقية لإعادة الإعمار الأثري وصون الذاكرة البصرية والحضارية التي شكّلتها المدينة على مدى قرون.
المصدر: اليونسكو