يشهد موقع عين شمس الدين الأثري في واحة الخارجة بمصر على مرحلة مهمة من تاريخ الاستيطان البشري في الصحراء الغربية، إذ يُعد من أقدم المراكز التي عرفت التواجد الروماني والمسيحي بين القرنين الأول والخامس الميلاديين، ويكشف عن نمط حياة متكامل لسكان عاشوا في بيئة معزولة واستطاعوا بناء مجتمع متطور ارتبط بالعقيدة والزراعة والتجارة في آن واحد.
ويقع الموقع ضمن نطاق الواحة القديمة التي كانت تشكل محورًا حيويًا بين طرق القوافل الممتدة من وادي النيل إلى عمق الصحراء.
يُظهر الموقع بقايا مستوطنة متكاملة تتضمن مساكن مبنية من الطوب النيء وساحات مفتوحة ومخازن للحبوب، وتشير الحفريات إلى أن السكان اعتمدوا على نظام ري متطور نسبياً اعتمد على المياه الجوفية التي وفرتها العيون الطبيعية المنتشرة في المنطقة.
وقد دلّت البقايا الفخارية والقطع المعدنية التي عُثر عليها على ازدهار نشاط اقتصادي واسع ارتبط بتجارة التمور والزيوت والفخار، وهو ما جعل المكان مركزاً محلياً يخدم التجمعات المحيطة به خلال العصر الروماني.
وأظهرت الاكتشافات الأثرية وجود كنيسة أثرية تعود إلى القرن الرابع الميلادي داخل نطاق الموقع، تُعد من أقدم الكنائس في مصر ومن أوائل النماذج التي عكست الانتشار المبكر للمسيحية في الواحات، وتضم بقايا جدران تحمل آثار زخارف ونقوش قبطية باهتة توثق مظاهر العبادة الأولى في المنطقة، وقد ساهم وجود هذه الكنيسة في جعل عين شمس الدين مركزاً روحياً استقطب المهاجرين والناسكين الذين سعوا للعزلة والتأمل بعيداً عن المدن الكبرى.
ويؤكد علماء الآثار أن العمارة في عين شمس الدين تُبرز تأثرها بالعناصر الرومانية في تخطيط المباني وتقسيم الفراغات، مع دمج الأساليب المحلية في استخدام المواد وتوجيه الأبنية بما يتناسب مع المناخ الصحراوي، كما تشير دلائل كثيرة إلى أن المكان استمر مأهولاً حتى القرنين الرابع والخامس الميلاديين، قبل أن تبدأ حركة الانحسار التدريجي بسبب تغير طرق التجارة وتراجع الموارد المائية.
ويدرج موقع عين شمس الدين ضمن قائمة العناصر المكونة لملف “واحة الخارجة والواحات الجنوبية الصغيرة” المسجل في القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو، ضمن خطة تهدف إلى توثيق المواقع التي تجسد التراث الثقافي المتنوع للصحراء المصرية، وتعمل السلطات الأثرية حالياً على تنفيذ أعمال توثيق ميداني رقمية للحفاظ على ما تبقى من معالم المستوطنة، إلى جانب إعداد ملفات بحثية لدراسة تطور الحياة الدينية والعمرانية فيها.
ويمثل الموقع اليوم شاهدًا حقيقيًا على التفاعل الحضاري بين الديانتين الوثنية والمسيحية في الصحراء الغربية، حيث تجتمع في أروقته آثار العبادة الرومانية القديمة وبدايات الإيمان المسيحي في بيئة واحدة، وهو ما يجعل عين شمس الدين من أبرز النقاط التي توثق التحول التاريخي والديني في واحة الخارجة، وتؤكد الدور الذي لعبته الواحات في تشكيل ملامح التاريخ المصري عبر العصور المتعاقبة.
المصدر: ويكيبيديا