السبت 1447/06/01هـ (22-11-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » اليمن » مادي » المعالم التاريخية » بَرَاقِش.. جوهرة اليمن القديمة التي دمرتها حروب الحاضر

بَرَاقِش.. جوهرة اليمن القديمة التي دمرتها حروب الحاضر

 

تُعدُّ براقش، مدينة أثرية قديمة شمال غرب اليمن، واحدةً من أعرق الحواضر التي نشأت في شبه الجزيرة العربية على الإطلاق.

تَربَّعت المدينة بموقعها الاستراتيجي في مديرية مجزر بمحافظة الجوف، على مسافة تقدر بحوالي 193 كيلومتراً شرقي العاصمة صنعاء، ما جعلها مركزاً حيوياً للتجارة والحضارة.

وَقَعت براقش على طريق البخور الشهير في وادي فرضة، وهو ما أكسبها أهمية قصوى كمركز تجاري محوري، وشريان مرور للقوافل المحملة بالطيب والتوابل نحو الشام ومصر.

تُعرف براقش في النقوش اليمنية القديمة بالخط المسند باسم “يثل”، وقد كانت في بداياتها العاصمة الدينية لمملكة معين التاريخية التي ازدهرت في المنطقة.

يَرجع تاريخ تأسيس براقش إلى ما يقارب الألف سنة قبل الميلاد، لتكون بذلك أقدم المدن المكتشفة والمنظمة في اليمن القديم.

قَام السبئيون بإعادة بناء السور العظيم الذي يحيط بالمدينة في القرن الخامس قبل الميلاد، وهو ما عزز منعتها وحمايتها الاستراتيجية عبر العصور المختلفة.

شَهِدت براقش عصرها الذهبي في القرن الرابع قبل الميلاد، عندما اختارها المعينيون عاصمة لمملكتهم، ثم بقيت مركزهم الروحي حتى بعد انتقال العاصمة الرسمية إلى قرناو.

مدينة براقش التاريخية والاثرية

تَناقل المؤرخون أهمية المدينة، وقد ذكرها المؤرخ والجغرافي اليوناني استرابون في كتاباته، عند حديثه عن حملة القائد الروماني أليس غاليوس.

وَصَلت الحملة العسكرية الرومانية إلى براقش خلال الفترة ما بين عامي 24 و25 قبل الميلاد، لتؤكد مكانة المدينة كهدف استراتيجي تاريخي حتى بالنسبة للقوى العظمى آنذاك.

بُنيت براقش على ربوات صناعية مرتفعة، وأحيطت بأسوار ضخمة ومنيعة لا تزال آثارها شاهدة على العظمة المعمارية القديمة، ما جعلها من أكثر مدن اليمن تحصيناً.

أُقيمت على امتداد هذه الأسوار أبراج للحماية والمراقبة، وصل عددها إلى 56 برجاً، كانت توفر دفاعاً متيناً ورصداً دقيقاً لكافة المداخل والمخارج والجهات المحيطة بالمدينة.

كَشفت بعثة آثار إيطالية، عملت بين عامي 1990 و1992، عن المعبد الرئيسي للمدينة، المعروف بمعبد الإله نكرح، الذي يعد تحفة معمارية في الفن المعيني.

نَفَّذت البعثة ترميماً لهذا المعبد الفريد خلال عامي 2003 و2004، للحفاظ على طرازه المعماري المتميز وتركيبته الهندسية الفريدة، ليبقى شاهداً نادراً على حضارة المنطقة.

صَمدت براقش بوجه محاولات التدمير المتعاقبة، بدءاً من سقوط الدولة المعينية أواخر القرن الثاني قبل الميلاد، وصولاً إلى الغزوات العسكرية التي طالتها.

بَقي سور المدينة قائماً شامخاً عبر آلاف السنين، ولم تؤثر فيه عمليات تعاقب السكنى أو حتى إعادة استخدام أنقاض مبانيها خلال العصر الإسلامي المتأخر.

ظَلت معالم المدينة واضحة وساطعة رغم مرور آلاف السنين على تشييدها، ومثلت بذلك جوهرة الآثار في الشرق الأدنى القديم بأكمله، بفضل متانة بنائها.

وَصَفت التقارير الدولية المدينة بأنها كانت بحالة حفظ جيدة، حيث كان حصنها ومعبدها وأبراجها الـ 56 في حالة ممتازة، مما يبرز صلابة البناء المعيني القديم.

تَعرضت هذه الجوهرة الأثرية لتخريب ممنهج على يد ميليشيات الحوثي، التي وصلت إليها عقب انقلابها على السلطة الشرعية في اليمن نهاية عام 2014، وذلك بعد قرون من الصمود التاريخي.

حَوَّلت الميليشيات المدينة التاريخية بالكامل إلى ثكنة عسكرية ومخزن لترسانتها من الأسلحة الثقيلة والخفيفة، ضاربة عرض الحائط بقدسية الموقع الأثري وحضارته الإنسانية.

أَدى هذا الاستخدام العسكري للموقع إلى تعريضه للقصف والتدمير من القوات المناوئة، وهو ما تسبب بضرر كبير في سورها وأبنيتها التي نجت من كل الغزاة الأوائل.

يُعدُّ تدمير الموقع خسارة فادحة للتراث الإنساني العالمي، كونه يمثل شاهداً نادراً على حضارات ما قبل الإسلام في الجزيرة العربية، ويؤرخ لمرحلة مهمة من تاريخ الشرق الأدنى.

طَال التخريب جدران المعبد الفريدة، وأثر على النقوش المسندية القديمة المحفورة عليها، مما يعرض جزءاً من تاريخ المنطقة للاندثار الأبدي، ويهدد ذاكرة المكان.

المصدر: العربية

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار