تقع بنقنارتي في الولاية الشمالية بالسودان وهي من المواقع الأثرية التي تحمل قيمة تاريخية بارزة، حيث تضم بقايا كنيسة مسيحية تعود للعصور الوسطى، ويعود تاريخ المبنى الأول للقرن السابع الميلادي قبل أن يتم هدمه وإعادة بناء كنيسة جديدة على أنقاضه في القرن الحادي عشر، وقد أدرجت في القائمة الإرشادية المؤقتة لليونسكو تحت الاسم الرسمي بنقنارتي، مما يعكس أهميتها التراثية والتاريخية.
شهدت المنطقة اكتشافات أثرية مهمة عام 2001 على يد بعثة آثار بولندية، حيث عثرت على كنيسة كبيرة تحوي نقوشاً ولوحات جدارية ذات قيمة فنية وتاريخية، ومن بين هذه المكتشفات أقدم صورة معروفة لمريم العذراء في العالم، كما وجدت لوحة تصور نزول المسيح إلى الجحيم لتحرير العذارى، وهو ما يمنح الموقع مكانة مميزة في دراسة الفن المسيحي القديم.
تزين جدران الكنيسة نقوش مكتوبة باللغتين اليونانية والنوبية القديمة أو مزيج بينهما، وتحمل هذه النقوش أسماء ملوك وملكات ورموز دينية مهمة، ما يعكس التداخل الثقافي بين الحضارة النوبية والحضارات الأخرى مثل اليونانية والرومانية، ويكشف عن عمق الروابط الحضارية التي ميزت المنطقة في تلك الحقبة.
كانت بنقنارتي في العصور الوسطى مركزاً مهماً للحج المسيحي، وهو ما تؤكده النقوش التي تشير إلى زيارات الحجاج من مناطق مختلفة، كما تدل على وجود نشاط ديني مكثف جعل الموقع واحداً من أبرز المراكز الروحية في المنطقة، الأمر الذي يعزز فهم دور السودان في الشبكات الدينية التاريخية.
كما كشفت الحفريات عن مقبرة ملوك دولة المقرة، وهي إحدى الممالك النوبية التي لعبت دوراً محورياً في تاريخ السودان، ما يفتح المجال أمام مزيد من الدراسات حول أنظمة الحكم والعادات الجنائزية في تلك الحقبة، إضافة إلى إمكانية الكشف عن تفاصيل جديدة تتعلق بالبنية الاجتماعية والسياسية للمجتمع النوبي.
تمثل بنقنارتي اليوم مدينة أثرية مدفونة تحت الرمال تحمل إرثاً حضارياً فريداً، إذ تعكس مبانيها ونقوشها وجماليات فنونها البصرية مزيجاً من التأثيرات المحلية والعالمية، وتبقى شاهدة على التفاعل الثقافي والديني في العصور الوسطى بالسودان، مما يجعلها وجهة بحثية وسياحية واعدة.
المصدر: ويكيبيديا