تَضمُّ “بات”، الواقعة شرق ولاية عبري بمحافظة الظاهرة في سلطنة عُمان، أحد أهم المواقع الأثرية في المنطقة، والمدرج ضمن قائمة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو منذ عام 1988.
تُعتبر هذه البلدة الأثرية، مع موقعي الخطم والعين الملحقين بها، نافذةً نادرةً تطل على حضارة “مجان” القديمة، التي ازدهرت في الألفية الثالثة قبل الميلاد.
تَبعد بات عن العاصمة مسقط بحوالي 350 كيلومتراً، وتفترش الأرض عند سفح جبال الحجر جنوباً، ما منحها موقعاً جغرافياً استراتيجياً مميزاً.
تَنفرد بلدة بات بسجل تاريخي حافل، حيث تكشف للزائرين صفحات من ذكريات عصور قديمة وحضارة تليدة تعود جذورها إلى الألف الثالث قبل الميلاد، أي قبل أكثر من 5000 سنة.
يَشتهر الموقع الأثري بمجموعة واسعة من المقابر التاريخية، التي تنقسم بين مدافن مستديرة تشبه خلايا النحل، ومدافن أخرى تتبع طراز “أم النار” الأكثر تطوراً.
يُلاحظ الزائر لبات التطور المعماري الواضح بين طرز هذه المقابر، التي شُيدت جميعها من الحجر بطريقة هندسية متقنة ومبهرة.
تَرتفع بعض هذه المقابر إلى ثمانية أمتار، وهي مبنية على شكل شبه هرمي، ما يعكس براعة البناء والخبرة الهندسية لسكان المنطقة الأوائل.
تَحتوي بعض هذه المقابر على دفنتين فقط، فيما يضم البعض الآخر ما يصل إلى خمس دفنات، ما يشير إلى استخدامها كمدافن عائلية أو جماعية على مر العصور.
تَحوي البلدة أيضاً القصر الأثري الشامخ الذي يقع عند مدخلها، ويعد شاهداً آخر على التراث العريق والهندسة المعمارية المتقدمة لسكانها.
أُدرج الموقع الأثري لبلدة بات كـ “ثاني موقع” عُماني في قائمة التراث العالمي، نظراً لأهميته الاستثنائية التي يقدمها للبحث الأركيولوجي وفهم تاريخ المنطقة.
تَم العثور في مختلف أرجاء المدينة التاريخية على كميات كبيرة من العظام البشرية التي تروي قصص السكان القدامى، وتوضح نمط حياتهم.
كَشفت أعمال التنقيب أيضاً عن آثار مختلفة ومتنوعة، شملت فخاراً مزخرفاً، وأشكالاً وأواني حجرية ونحاسية، وأساور، ومقتنيات منزلية عديدة، تعكس تطور صناعاتهم.
تَبعد بلدة بات عن مركز ولاية عبري بحوالي 30 كيلومتراً في الاتجاه الشرقي، وتنتشر المدافن حولها من جميع الجهات، لتشكل مدينة الموتى المحيطة بمدينة الأحياء.
يَقع التجمع الأكبر لهذه المدافن على بعد حوالي نصف كيلومتر شمال بلدة بات، مشكلاً منظراً بانورامياً للمقابر الحجرية ذات الشكل الهرمي المتقن.
تُشير التشابهات بين مدافن بات ومثائلها في موقع أم النار إلى وجود علاقات تجارية وتواصل حضاري واسع النطاق، كان يربط عُمان بالدول الأخرى في عصر ما قبل الإسلام.
تُقدم هذه المدافن والأبراج الضخمة، التي كانت تستخدم للحراسة والمراقبة، أدلة مادية قاطعة على حضارة متقدمة ومستقرة، ذات تنظيم اجتماعي واقتصادي متطور.
تَسعى السلطنة من خلال إدراج الموقع في اليونسكو إلى حماية هذا الكنز الأثري، وضمان حفظه للأجيال القادمة، ليبقى شاهداً على عراقة أرض عُمان.
تُسهم بلدة بات حالياً في رسم صورة واضحة للتاريخ القديم لشبه الجزيرة العربية، وتطور الحضارات التي ازدهرت فيها، ما يجعلها قبلة للباحثين والمؤرخين من جميع أنحاء العالم.
المصدر: اليونسكو
