تُعد مدينة بعلبك واحدة من أقدم المدن التاريخية في لبنان، وقد أدرجت ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو عام 1984 لما تحمله من قيمة حضارية ودينية ومعمارية ارتبطت بالحضارات الفينيقية والرومانية.
وتمثل بعلبك مركزًا دينيًا رئيسيًا في العصور القديمة، إذ كانت موطنًا لعبادة ثلاثة آلهة رئيسية في الديانة الفينيقية، ثم تحوّلت خلال العهد الروماني إلى موقع حجّ بارز يقصده آلاف الزائرين من مختلف أقاليم الإمبراطورية.
وتقع المدينة في سهل البقاع، وقد حافظت على شهرتها بفضل ما تبقى من الهياكل الضخمة والمعابد العتيقة التي تزيّن فضاء المدينة القديمة.
ورغم تعاقب الحروب والزلازل والهجرات، فإن معالم بعلبك الرومانية ظلت قائمة حتى اليوم، وتُعد من أبرز النماذج على العمارة الإمبراطورية الرومانية التي تُظهر مدى ما بلغته روما من دقة في البناء وفخامة في الزخرفة والإنشاء.
ويأتي في مقدمة هذه الهياكل معبد جوبيتر، الذي يُعد من أضخم المعابد الرومانية في العالم، حيث كان يضم أعمدة شاهقة بُنيت من كتل حجرية ضخمة يصل وزن بعضها إلى أكثر من 800 طن.
ويجاور معبد جوبيتر معبد باخوس، الذي لا يزال يحتفظ بجزء كبير من تفاصيله الداخلية وزخارفه الدقيقة، كما يُعد هذا المعبد من أفضل المعابد الرومانية حفظًا على الإطلاق، ويجسّد التأثيرات المعمارية الشرقية في النحت الروماني.
بينما يبرز معبد فينوس بتصميمه البيضاوي ومساحاته المنحنية التي كانت تُستخدم لإقامة طقوس دينية خاصة، وتشير المصادر إلى أن هذه المعابد كانت تُشكّل محور الحياة الروحية والاقتصادية للمدينة، إذ ارتبطت بالحج والتجارة والسلطة الدينية في آن واحد.
ويُعتقد أن الرومان قاموا بإعادة تخطيط المدينة بالكامل خلال القرنين الأول والثاني الميلاديين، حيث أسسوا شبكة طرق ومعابد وساحات عامة تمحورت حول الوظيفة التعبدية والسياق الإمبراطوري الذي فرضته روما في المدن التابعة لها.
وقد سخر المعماريون في بعلبك جميع الإمكانات الهندسية لتحقيق مشهد بصري مهيب يجعل من الهياكل بوابة رمزية للسلطة الدينية والسياسية للإمبراطورية.
واستمر دور بعلبك كمركز ديني لعدة قرون، قبل أن يتراجع مع تراجع النفوذ الروماني في المنطقة، وتحولت المدينة لاحقًا إلى وجهة أثرية وسياحية تجذب الزوار من جميع أنحاء العالم، لما تحتويه من معالم حجرية نادرة ودلالات تاريخية موثقة على الحضور الروماني في المشرق.
ويُجري علماء الآثار أعمال صيانة دورية في الموقع للحفاظ على ما تبقى من البنى الأصلية ومنع تآكلها بفعل الزمن والعوامل الطبيعية.
وتبقى بعلبك، بمعابدها وأعمدتها وساحاتها الرخامية، واحدة من أبرز الشواهد الحية على العمارة الرومانية خارج أوروبا، ومرآة حضارية تعكس مراحل متعددة من التحولات الدينية والسياسية والمعمارية التي عرفها شرق البحر المتوسط.
المصدر: اليونسكو