السبت 1447/06/01هـ (22-11-2025م)
الرئيسية » جولة في التراث » الكويت » مادي » الطعام » النخي والباجيلا أكلة شعبية كويتية عتيقة تخسر معركة الوجود في زمن الوجبات السريعة

النخي والباجيلا أكلة شعبية كويتية عتيقة تخسر معركة الوجود في زمن الوجبات السريعة

 

يفتقد الكويتيون اليوم أصوات الباعة المتجولين الذين كانوا ينادون على النخي والباجيلا في الصباح الباكر، إذ كانت أصواتهم تملأ الشوارع والأحياء، وتعلن بدء يوم جديد بنكهة التراث الشعبي الذي ارتبط بحياة البسطاء، لكن هذا المشهد بدأ يختفي تدريجياً من شوارع الكويت بعد أن كان جزءاً من صورتها اليومية القديمة.

انتشرت عربات النخي والباجيلا في الماضي في الأسواق الشعبية وبين الأزقة، وكان الناس يقصدونها لتناول وجبة خفيفة وساخنة بأسعار رمزية، ومع مرور الوقت تراجع عدد الباعة حتى أصبح وجودهم مقتصراً على زوايا صغيرة بجانب المقاهي أو الجمعيات، لتتحول الأكلة الشعبية التي كانت رمزاً للبساطة إلى ذكرى يتحدث عنها الجيل القديم بأسف وحنين.

تسببت التغيرات في نمط الحياة في تراجع انتشار هذه المهنة، إذ غزت الوجبات السريعة الأسواق وبدلت عادات الأكل، فأصبح الشباب يتجهون نحو الأطعمة الجاهزة ويهملون الأكلات التراثية، كما ساهمت الزيادة الكبيرة في أسعار المواد الغذائية وارتفاع الإيجارات في صعوبة استمرار باعة النخي والباجيلا الذين لم يعد بإمكانهم تغطية تكاليفهم اليومية.

طريقة عمل النخي الكويتي | Just Food

يقول أحد أصحاب المطاعم الذين خصصوا ركناً صغيراً لبيع النخي والباجيلا إن ارتفاع أجور العمال بات يشكل عبئاً على التجار، فالعاملون يقضون ساعات طويلة في التحضير والبيع، بينما لا تعود الأرباح بما يعادل الجهد المبذول، مشيراً إلى أن كثيراً من المحلات الصغيرة أغلقت أبوابها بسبب هذه التحديات، وأن المهنة تسير فعلاً نحو الانقراض.

ويضيف أن ارتفاع أسعار النخي والباجيلا المستوردة من دول مثل المكسيك والهند جعل الأمور أكثر صعوبة، لأن التجار يرفعون الأسعار تبعاً لتكاليف الاستيراد والنقل، مما يقلل من هامش الربح، ومع ذلك لا يزال بعض المطاعم يحتفظ بزاوية صغيرة يقدّم فيها هذا الطبق كجزء من الهوية الكويتية التي يصعب التخلي عنها.

وتُعد المكسيك والمغرب من أبرز الدول المصدّرة لهذه البقوليات، إذ تمتاز منتجاتهما بالحجم الكبير والنظافة العالية، فيما يعتمد الباعة المحليون على تجار المواد الغذائية الذين يوفرونها لهم طوال العام دون انقطاع، خصوصاً خلال المناسبات الوطنية والاحتفالات الشعبية التي يزيد فيها الإقبال على هذا الطبق التراثي.

ويؤكد الباعة القدامى أن النخي والباجيلا لا يرتبطان بموسم معين، فالكويتيون يتناولونهما صباحاً أو مساءً، على الإفطار أو العشاء، وغالباً ما يرتبط بيعهما بالمناطق السكنية التي يقطنها الكويتيون مثل الأحمدي والدسمة والدعية والشامية وقرطبة، حيث ما زالت المقاهي الشعبية تحتفظ بهذا الطقس البسيط رغم تراجع عدد الباعة.

ويتم تحضير النخي والباجيلا بطريقة تقليدية توارثها الكويتيون جيلاً بعد جيل، إذ تُنقع الحبوب لساعات طويلة في الماء المضاف إليه الملح والفلفل الأحمر و”الشنان” الذي يسرّع عملية الطهي، ثم تُغلى في قدور نحاسية كبيرة لمدة ساعتين حتى تنضج وتُقدّم ساخنة في أكواب صغيرة، في مشهد كان يجمع دفء الصباح برائحة البهارات في الأسواق القديمة.

وبينما يصف البعض اختفاء هذه المهنة بأنه نتيجة طبيعية لتطور الزمن، يرى آخرون أنه خسارة لجزء من الذاكرة الشعبية، فالنخي والباجيلا ليسا مجرد طعام بل رمز لمرحلة من البساطة والتواصل الإنساني، ومع تراجع أصوات الباعة في الشوارع، يغيب فصل من الحكاية الكويتية التي لم يعد يسمعها سوى من عاشها يوماً.

المصدر: الراي

زر الذهاب إلى الأعلى
آخر الأخبار