يمارس سكان قرية المراح بريف دمشق طقوسًا زراعية وحرفية متوارثة تتمحور حول الوردة الشامية، التي تعد رمزًا ثقافيًا وجزءًا أساسيًا من هوية المنطقة.
ومع حلول شهر مايو من كل عام، تبدأ الوردة بالإزهار، لتنطلق معها مواسم القطاف والمهرجان السنوي الذي يجمع المزارعين وأفراد أسرهم في أجواء احتفالية تمزج بين العمل والإرث الثقافي.
ويشارك الجميع في جمع أزرار الورد يدويًا، في مشهد يعكس تلاحم العائلة والمجتمع حول هذه الممارسة التي تجاوزت حدود الزراعة لتصبح علامة تراثية متأصلة.
وتحمل الوردة الشامية استخدامات متعددة تتنوع بين الغذائي والطبي والتجميلي، حيث يعمل الأهالي على تحويلها إلى منتجات غنية ذات قيمة عالية، ويصنع من أزهارها شراب الورد المعروف بنكهته المميزة، إضافة إلى المربى والحلويات التي تدخل في المطبخ السوري التقليدي.
كما تُستخدم أوراقها في إعداد مشروبات دافئة مثل الزهورات التي تحاكي الشاي، في حين تباع الوردة المجففة لدى الصيادلة لما تحتويه من فوائد علاجية، خصوصًا في مجالات التهدئة وتعزيز المناعة.
ويمثل مهرجان الوردة الشامية حدثًا بارزًا يشارك فيه عدد كبير من الزوار، إذ يجسد طابعًا احتفاليًا يجمع بين العروض الفنية والأنشطة الشعبية التي ترافق موسم القطاف.
ولا يقتصر المهرجان على الجانب الزراعي فقط، بل يشكل أيضًا منصة لعرض الحرف التقليدية المرتبطة بالوردة، بدءًا من تقطير ماء الورد واستخلاص زيته، وصولًا إلى الصناعات المحلية التي توظف الوردة في مستحضرات التجميل والعطور، وبذلك يصبح المهرجان شاهدًا حيًا على الدور الثقافي والاجتماعي الذي تؤديه الوردة الشامية في حياة المجتمع.
ويعتمد سكان المراح على هذا النشاط كمصدر اقتصادي مهم، حيث يساهم في دعم سبل العيش المحلي، ويمنح الحرفيين فرصة للحفاظ على تقاليدهم وإبداع منتجاتهم التي تلقى رواجًا واسعًا.
كما يتعلم الأطفال هذه الممارسات من ذويهم، ما يضمن استمرارية المهارات المرتبطة بالورد، ويحافظ على انتقالها من جيل إلى آخر، في إطار منظومة اجتماعية متماسكة تعكس قيمة العمل الجماعي.
وقد حظيت هذه الممارسات باعتراف عالمي عندما أدرجت عام 2019 في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي في سورية، تقديرًا لمكانتها كتراث حي يعكس تفاعل الإنسان مع بيئته الطبيعية، وقدرته على تحويل الموارد المحلية إلى ممارسات ثقافية مستدامة، ويؤكد هذا الإدراج أن الوردة الشامية ليست مجرد نبات، بل رمز حضاري يحمل في طياته ذاكرة المكان وأصالته.
وبين عبق الأزهار ونكهة المنتجات التقليدية، تظل الممارسات والحرف المرتبطة بالوردة الشامية في قرية المراح تعبيرًا عن هوية ثقافية متجددة، وتجسد استمرار التقاليد التي جعلت من هذه القرية الصغيرة مركزًا لتراث غني يستحق الاحتفاء والحماية.
المصدر: ويكيبيديا