جسدت الملحفة الجزائرية حضورها الثقافي والتاريخي مجدداً بعد تسجيلها ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لدى اليونسكو، حيث جاءت هذه الخطوة تتويجاً لمسيرة طويلة من الارتباط الشعبي والرمزي بهذا الزي التقليدي الذي يحظى بمكانة خاصة لدى النساء الجزائريات، ويعكس تنوع التراث المحلي في مختلف المناطق.
تميّزت الملحفة بتصميمها الفريد الذي يجمع بين الأناقة والبساطة، إذ تتكون من فستان طويل يبرز القوام الأنثوي وتعلوه طبقة إضافية من قماش فخم يُلفّ حول الجسم بأسلوب يرمز للستر والجمال، ويُزيَّن عادة بحزام عريض مصنوع من نسيج خاص أو مطرز بخيوط ذهبية أو فضية، وتُرفَق بإكسسوارات تقليدية فضية تضيف إلى مظهرها رونقاً خاصاً يتماشى مع خصوصية المناسبة التي تُرتدى فيها.
واختلفت خامات صناعة الملحفة باختلاف المناطق، حيث اعتمدت بعض المدن الساحلية على الحرير والساتان لإبراز الألوان الزاهية والتطريزات الدقيقة، في حين لجأت مناطق أخرى إلى استخدام القطن أو الصوف حسب المناخ والبيئة الاجتماعية، مع الحفاظ على الطابع الجمالي الموحد الذي يميز الملحفة عن باقي الأزياء التقليدية.
وبرزت المهارة اليدوية كمكوّن أساسي في تطريز الملحفة، إذ تحتاج إلى خبرة متوارثة في تصميم الزخارف اليدوية واختيار الألوان المتجانسة التي تضيف للزي قيمة بصرية وحسية، ما يعكس مدى التقدير الذي حظيت به الحرفة التقليدية لدى العائلات التي نقلت أسرارها عبر الأجيال، وحرصت على صون تفاصيلها بدقة رغم تغير الأذواق وموجات الحداثة المتسارعة.
وشكلت الملحفة رمزاً للأنوثة والأناقة في المناسبات الكبرى، من حفلات الزفاف إلى الاحتفالات الدينية والمهرجانات المحلية، حيث باتت تمثل فخراً مشتركاً يعبر عن الانتماء للهوية الجزائرية، كما لعبت دوراً في إبراز الذوق الشعبي في اختيار الألوان والتصاميم، وهو ما جعل منها قطعة لا تغيب عن خزانة المرأة الجزائرية مهما تنوعت الخيارات.
وساعد إدراج الملحفة ضمن التراث الثقافي غير المادي لليونسكو في إعادة إحياء الاهتمام بها على مستوى المؤسسات الثقافية والأسواق المحلية، وأعاد الاعتراف الدولي الاعتبار للحرفيات اللواتي يواصلن حياكة هذا الزي بدقة وصبر، مما عزز من فرص استدامة هذه الصناعة اليدوية في ظل التحديات الاقتصادية والابتعاد المتزايد عن الحرف التقليدية.
وتحوّلت الملحفة من مجرد لباس إلى رسالة ثقافية تعبّر عن الأصالة وتحمل بين طياتها تاريخاً اجتماعياً وحضارياً غنياً، حيث تسهم في الحفاظ على موروث الأجداد وتأكيد مكانة اللباس التقليدي في مواجهة الثقافات الوافدة، كما تمثل نقطة التقاء بين الماضي والحاضر في مشهد ثقافي يستعيد ملامحه بهدوء وثقة.
المصدر: ويكيبيديا
