شهد المغطس، الواقع على الضفة الشرقية لنهر الأردن، نهضة لافتة منذ إعادة اكتشافه في أواخر التسعينات، بعد عقود من الإهمال نتيجة الصراعات الإقليمية.
بدأ علماء الآثار منذ عام 1996 بالتنقيب في وادي الخرار، وهو موقع مرتبط بمعتقدات مسيحية بأنه المكان الذي عمد فيه يوحنا المعمدان يسوع المسيح، أثبتت الحفريات وجود أديرة وكنائس وآثار رومانية وبيزنطية، تدعم الروايات الدينية، وتؤكد الأهمية الروحية والتاريخية للموقع.
عززت النصوص الإنجيلية، خصوصاً إنجيل يوحنا، موقع المغطس كمنطقة ذات صلة مباشرة بمعمودية يسوع، يذكر الإنجيل أن يوحنا المعمدان عمد “عبر الأردن”، في إشارة إلى الضفة الشرقية، وهي المنطقة التي تقع اليوم ضمن الأراضي الأردنية، هذه الأدلة الروحية دعمتها آثار مادية واضحة، منها بقايا أديرة بيزنطية وبرك تعميد، وكنائس تم اكتشافها شرق النهر، أبرزها دير ريتوريوس الذي يعود للقرن الخامس الميلادي.
واجه الموقع تحديات سياسية وعسكرية خلال القرن العشرين، بعد حرب عام 1967، أصبحت المنطقة عسكرية وأُغلقت أمام الزوار والحجاج، استمر هذا الوضع حتى توقيع اتفاقية السلام بين الأردن وإسرائيل عام 1994، التي أعادت فتح الباب أمام إعادة تأهيل الموقع.
تولى الأمير غازي، بتشجيع من علماء آثار، الإشراف على جهود التنقيب والترميم، ما أدى إلى إزالة الألغام وبدء الحفريات الرسمية عام 1997.
تصاعدت أهمية المغطس كموقع ديني وسياحي خلال السنوات الأخيرة، شهد زيارات بابوية رسمية، أبرزها زيارة البابا يوحنا بولس الثاني عام 2000، ما منح الموقع شرعية دينية دولية، في عام 2015، أدرجته اليونسكو كموقع تراث عالمي، وهو اعتراف عزز مكانته في الوعي الديني العالمي.
رغم الجدل القائم حول الجهة الغربية المقابلة للنهر، يظل المغطس الشرقي هو الموقع المعترف به من قبل معظم الطوائف المسيحية الكبرى، حسب وثائق رسمية وتأكيدات كنسية.
تحتضن منطقة تل الخرار آثاراً تؤكد وجود نشاط بشري منذ العصر الحجري الحديث، مروراً بالحقبة الهلنستية، ثم الرومانية والبيزنطية.
برك التعميد، المبنية من الحجارة والمزودة بدرج داخلي، ما تزال شاهدة على الاستخدام الديني القديم، ولا تزال حتى اليوم تستقبل الحجاج في احتفالات عيد الغطاس، حيث يتوافد آلاف الزوار في 6 يناير من كل عام.
عبر التاريخ، انتقل موقع المعمودية أحياناً إلى الضفة الغربية لأسباب سياسية أو لوجستية، إلا أن الاكتشافات الأثرية أثبتت أن الضفة الشرقية هي الأصل.
تراجع النشاط الديني خلال الفترات المملوكية والعثمانية، وتوقفت الزيارات تقريباً في القرن الخامس عشر، لم يُستأنف النشاط إلا بعد إعادة الاكتشاف الرسمي للموقع.
اليوم، يُدار الموقع من قبل لجنة مستقلة يعينها الملك عبد الله الثاني، بلغ عدد الزوار في عام 2016 أكثر من 81,000 شخص، بزيادة ملحوظة عن العام الذي سبقه، يشمل الموقع مناطق أثرية رئيسية مثل تلة مار إلياس ومنطقة كنائس يوحنا المعمدان، ويستمر في استقبال الحجاج والزوار على مدار العام.
المغطس ليس مجرد موقع أثري، بل يمثل نقطة التقاء للتاريخ والدين والجغرافيا، ويوفر دليلاً ملموساً على الروابط بين المعتقدات المسيحية والمكان، في ظل الاعتراف الدولي والدعم المحلي، يواصل المغطس لعب دوره كموقع حج روحي ومقصد ثقافي يعبر عن ذاكرة جماعية ممتدة منذ آلاف السنين.
المصدر: ويكيبيديا